قال : ولو أن أرضا من أرض الخراج مات ربها قبل أن يؤخذ منه الخراج فإنه لا يؤخذ من ورثته لأن الخراج في معنى الصلة فيسقط بالموت قبل الاستيفاء ولا يتحول إلى التركة كالزكاة ثم خراج الأرض معتبر بخراج الرأس ففي كل واحد منهما معنى الصغار وكما أن خراج الرأس يسقط بموت من عليه قبل الاستيفاء فكذلك خراج الأرض ولا يمكن استيفاؤه من الورثة باعتبار ملكهم لأنهم لم يتمكنوا من الانتفاع بها في السنة الماضية .
قال : ولو مات رب الأرض العشرية وفيها زرع فإنه يؤخذ منه العشر على حاله وفي رواية " ابن المبارك " عن " أبي حنيفة " C تعالى أنه سوى بين العشر والخراج وقال يسقط بموت رب الأرض .
فأما في ظاهر الرواية : الزرع كما حصل صار مشتركا بين الفقراء ورب الأرض عشره حق الفقراء وتسعة أعشاره حق رب الأرض ولهذا لا يعتبر في إيجاب العشر المالك حتى يجب في أرض المكاتب والعبد والمديون والصبي والمجنون فبموت أحد الشريكين لا يبطل حق الآخر ولكن يبقى ببقاء محله فأما الخراج محله الذمة وبموته خرجت ذمته من أن تكون صالحة لالتزام الحقوق والمال لا يقوم مقام الذمة فيما طريقه طريق الصلة وقد بينا في كتاب الزكاة وجوب الخراج في أرض الصبي والمجنون لأنه مؤنة الأرض النامية ومال الصبي محتمل للمؤنات بمنزلة النفقات .
ونحن نقول لما جعل المستفاد بمنزلة الموجود عنده في أول الحول في حكم وجوب الزكاة فيه فكذلك يجعل بمنزلة الموجود عنده في حكم جواز التعجيل فإن تم الحول قبل أن يستفيد شيئا ثم أفاد أربعين ألفا فالمعجل لا يجزئ من زكاتها ويجزئ من زكاة المائة خاصة وهذا غلط لأنه تم الحول وفي ملكه مائة درهم فالمعجل قد تم خروجه عن ملكه بالوصول إلى الفقير فلا تجب عليه الزكاة في المائة أصلا إلا أن يكون المعجل يجزئ من زكاة المائة ثم حين استفاد أربعين ألفا انعقد الحول على ماله فإذا تم الحول من هذا الوقت كان عليه أن يزكي الكل .
وعلى قول .
أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى لا يعتبر من ماله ما وجب عليه من الزكاة للسنين الماضية وتعتبر الكسور لأنهما يوجبان الزكاة في الكسور ولا يعتبران بعد النصاب الأول نصابا .
وعلى قول " زفر " C تعالى تعجيل الزكاة إنما يجوز عن المال القائم في ملكه ولا يجوز عما يستفيده فعليه زكاة المستفاد عند كمال الحول .
ونحن نقول لما جعل المستفاد بمنزلة الموجود عنده في أول الحول في حكم وجوب الزكاة فيه فكذلك يجعل بمنزلة الموجود عنده في حكم جواز التعجيل فإن تم الحول قبل أن يستفيد شيئا ثم أفاد أربعين ألفا فالمعجل لا يجزئ من زكاتها ويجزئ من زكاة المائة خاصة وهذا غلط لأنه تم الحول وفي ملكه مائة درهم فالمعجل قد تم خروجه عن ملكه بالوصول إلى الفقير فلا تجب عليه الزكاة في المائة أصلا إلا أن يكون المعجل يجزئ من زكاة المائة ثم حين استفاد أربعين ألفا انعقد الحول على ماله فإذا تم الحول من هذا الوقت كان عليه أن يزكي الكل .
وعلى قول " زفر " C تعالى لا تسقط الزكاة عنها هنا لأن الفرقة جاءت من قبلها فهي التي اكتسبت سبب زوال ملكها عن العبد فتكون متلفة حق الفقراء فتلزمها الزكاة ولكنا نقول لم يوجد منها صنع في إبطال ملكها في العبد لأن صنعها تقبيل ابن الزوج وذلك غير مبطل ملكها العبد ألا ترى أنه لو حصل ذلك منها بعد الدخول لم يبطل ملكها في شيء من العبد ولكن المبطل لملكها انفساخ النكاح وذلك أمر حكمي فلهذا يجعل هذا بمنزلة الاستحقاق من يدها " .
قال : ولو أن رجلا عجل خراج أرضه ألف درهم فذلك يجزيه لأن سبب وجوب الخراج ملك الأرض المنتفع بها وذلك موجود والتعجيل بعد تمام السبب جائز لسنة ولسنتين ألا ترى أنه لو عجل صدقة الفطر لسنتين كان جائزا فكذلك إذا عجل الزكاة عن النصاب لسنتين كان جائزا فأما إذا عجل عشر أرضه قبل أن يزرعها لم يجزه لأن العشر وإن كان مؤنة الأرض النامية فإنه لا يجب إلا باعتبار حصول الخارج فلا يتم السبب قبل الزراعة وقبل تمام السبب لا يجوز التعجيل كما لو عجل الزكاة عن الإبل والغنم قبل أن يجعلها سائمة وبعد ما زرعها جاز تعجيل العشر سواء استحصد أو لم يستحصد لأن سبب الوجوب قد تم ولم يبق إلى وجوب العشر إلا مجرد مضي الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب قبل الحول .
فإن عجل عشر نخله قال هنا يجزيه وهو قول " أبي يوسف " فأما على قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى إن حصل الطلع جاز التعجيل وإلا لم يجز لأن ملك النخل .
صفحة [ 51 ] كملك الأرض على معنى أن العشر لا يجب فيه وإنما يجب في الخارج منه فكما لا يجوز تعجيل العشر باعتبار ملك الأرض قبل الزراعة فكذلك لا يجوز تعجيل عشر النخل قبل أن يخرج الطلع بخلاف ما إذا عجل عشر الزرع قبل أن ينعقد الحب لأن القصيل محل لوجوب العشر فيه بدليل أنه لو قصله كما هو يلزمه أداء العشر منه فلهذا جاز التعجيل باعتباره وأما النخل ليس بمحل للعشر فإنه لو قطعه كان حطبا لا شيء فيه فلا يجوز فيه تعجيل العشر باعتباره .
و " أبو يوسف " C تعالى يقول لم يبق بينه وبين وجوب العشر إلا مجرد مضي الزمان فيجوز التعجيل كما يجوز التعجيل عن الزرع قبل أن ينعقد الحب وعن النصاب قبل أن يحول الحول .
قال : ولو كان في الأرض الخراجية أرض نخل أو مشجرة فلا خراج فيها لكن يوضع عليها بقدر ما تطيق ومعنى هذا أنه ليس فيها خراج الكرم ولا خراج الرطبة ولا خراج الزرع لأنها ليست بمنزلة هذه الأراضي في الانتفاع ولكن " عمر بن الخطاب " رضي الله تعالى عنه فيما وظف من الخراج اعتبر الطاقة حيث قال للذين مسحا الأراضي : لعلكما حملتما الأراضي ما لا تطيق فقالا بل حملناها ما تطيق فعرفنا أن المعتبر هو الطاقة ففي المشجرة وأرض النخل تعتبر الطاقة أيضا وذلك أن ينظر إلى غلته فإن كانت مثل غلة الرطبة فخراجها مثل خراج أرض الرطبة وإن كانت مثل غلة الكرم فخراجها كذلك .
قال : فإن عجل خراج أرضه ثم غرقت تلك السنة كلها فإنه يرد عليه ما أدى من خراجها لأنه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها فلا يلزمه خراجها ويد الإمام في الخراج المعجل نائبة عن يد صاحب الأرض وقد بينا نظير هذا في زكاة السائمة إذا عجلها فدفعها إلى الساعي ثم هلكت السائمة والمعجل قائم في يد الساعي فإنه يرد عليه فكذلك في الخراج .
قال : فإن زرعها في السنة الثانية فإنه يحسب له ما أدى من خراجها في هذه السنة إن لم يرد عليه لأن يده نائبة في ذلك كيده ولا فائدة في الرد عليه ثم الاستيفاء منه .
فإن قيل : أليس أنكم قلتم في الزكاة إذا عجلها ولم تجب عليه الزكاة في ذلك الحول فإن المعجل لا يجزئ عما يلزمه في حول آخر ؟ .
قلنا : ذلك فيما إذا دفعها إلى الفقير فتتم الصدقة تطوعا عند مضي الحول وهنا لا يتم المؤدى خراجا في الحول الأول ولكن له حق الاسترداد فيحسب ذلك له من خراجه في الحول الثاني .
قال : فإن أجر أرضه سنين فغرقت سنة فلم يفسخ القاضي الإجارة فلا أجر عليه حتى ينضب الماء عنها ولا خراج على ربها في السنة التي غرقت فيها لأن وجوب كل واحد منهما باعتبار .
صفحة [ 52 ] التمكن من الانتفاع وقد انعدم إلا أن فرق ما بينهما أن الأجر يجب للمدة التي مضت قبل أن تغرق والخراج لا يجب لأن الأجر عوض يجب شيئا فشيئا بحسب ما يستوفى من المنفعة فأما الخراج إنما يجب جملة واحدة باعتبار التمكن من الانتفاع ولم يوجد ذلك حين غرقت الأرض وتكون الإجارة على حالها لأن تعذر الانتفاع بالأرض مع بقائها بعارض على شرف الزوال فتبقى الإجارة ما لم يفسخ القاضي العقد فإن فسخ القاضي العقد في تلك الحالة فإنها لا تعود الإجارة مستقبلة لأنه قضى بفسخ العقد والسبب الموجب له قائم وهو بمنزلة العبد المستأجر إذا أبق .
فإن لم يفسخ القاضي العقد حتى عاد كانت الإجارة باقية وإن فسخ القاضي العقد بينهما لم تعد الإجارة بعد ذلك وإن عاد من إباقه .
قال : ولو أن صبيا أدى أبوه عشر أرضه أو خراجها أو أدى ذلك وصيه فهما ضامنان وإنما أراد ما إذا أديا العشر إلى الفقراء أو الخراج إلى المقاتلة لأن حق الأخذ فيهما للسلطان فلا يسقط عن الصبي بأدائها إلى الفقراء أو المقاتلة فأما إذا أديا إلى السلطان فلا ضمان عليهما وكيف يضمنا والسلطان يطالبهما بذلك ويجبرهما على الأداء .
ثم بين مصارف الصدقات والعشر والخراج والخمس والجزية وما يؤخذ من أهل نجران ومن بني تغلب وقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة .
قال : فإن اشترى بمال الخراج غنما سائمة للتجارة وحال عليها الحول فعليه فيها الزكاة وهذا بخلاف ما إذا اجتمعت الغنم المأخوذة في الزكاة في يد الإمام وهي سائمة فحال عليها الحول لأن هناك لا فائدة في إيجاب الزكاة فإن مصرف الواجب والموجب فيه واحد وهنا في إيجاب الزكاة فائدة فإن مصرف الموجب فيه المقاتلة ومصرف الواجب الفقراء فكان الإيجاب مفيدا فلهذا تجب الزكاة .
قال الشيخ الإمام الأجل C تعالى : وفي هذا الفصل نظر فإن الزكاة لا تجب إلا باعتبار الملك والمالك ولهذا لا تجب في سوائم الوقف ولا في سوائم المكاتب ويعتبر في إيجابها صفة الغنى للمالك وذلك لا يوجد هنا إذا اشتراها الإمام بمال الخراج للمقاتلة فلا تجب فيها الزكاة إلا أن يكون مراده أنه اشتراها لنفسه فحينئذ تجب عليه الزكاة باعتبار وجود المالك وصفة الغنى له .
قال : وإن كان للرجل خمسة وعشرون بعيرا حال عليها الحول ثم استفاد عشرة أبعرة فضمها معها ثم ضاع منها عشر من الابل لا يعلم من أيها هي فعليه ثلاث من الغنم فيها والقياس في ذلك أن يكون عليه خمسة أسباع بنت مخاض .
وجه القياس : أن الجملة كانت خمسة وثلاثين فحين ضاع منها عشرة يجعل ما ضاع مما فيه الزكاة ومما .
صفحة [ 53 ] لا زكاة فيه بالحصة فيكون خمسة أسباع ما ضاع من مال الزكاة وسبعاه مما لا زكاة فيه وخمسة أسباع العشرة سبعة وسبع وقد كان وجب عليه بنت مخاض في خمسة وعشرين ضاع منها سبعة وسبع وبقي منها سبعة عشر وستة أسباع خمسة وعشرين فإن كل سبع من خمسة وعشرين ثلاثة وأربعة أسباع فإذا اجتمعت خمس مرات ثلاثة وأربعة أسباع يكون سبعة عشر وستة أسباع فلهذا كان الواجب فيه خمسة أسباع بنت مخاض .
ولكنه استحسن فقال : الشرع أوجب الغنم عند قلة الإبل وإن لم يكن بينهما مجانسة لدفع الضرر عن صاحب المال بإيجاب الشقص عليه كما يدفع الضرر عنه في الابتداء فيجعل الهلاك من مال الزكاة كأن لم يكن فكأن في ملكه سبعة عشر بعيرا وستة أسباع فعليه فيها ثلاثة من الغنم .
ولكن وجه القياس أقوى لأن معنى دفع الضرر معتبر في الابتداء فأما في حالة البقاء لا يعتبر ولكن يبقى من الواجب بقدر ما بقي من المال ألا ترى أنه لا يعتبر النصاب في البقاء بخلاف الابتداء وقد كان الواجب عند تمام الحول بنت مخاض فلا معنى للتحويل إلى الغنم عند هلاك بعض المال فعرفنا أن وجه القياس أقوى فلهذا فرع على وجه القياس فقال : .
إن عرف خمسة من الإبل فعليه فيها خمس بنت مخاض وفي الباقية أربعة أخماس ثلثي بنت مخاض أما وجوب خمس بنت مخاض في الخمسة ظاهر لأنه قد وجب بنت المخاض في خمسة وعشرين فيكون في خمسة خمسها ثم بقي من مال الزكاة عشرون وما لا زكاة فيه عشرة والهالك عشرة فثلث الهالك مما لا زكاة فيه وثلثاه مما فيه الزكاة وهو ستة وثلثان فإذا نقصنا ذلك من العشرين بقي ثلاثة عشر وثلث وقد كان عليه ثلثا بنت مخاض في ستة عشر وثلثان لأنها ثلثي خمسة وعشرين وثلاثة عشر وثلث يكون أربعة أخماسه فإن كل خمس يكون ثلاثة وثلث فلهذا قال في الباقية أربعة أخماس ثلثي بنت مخاض ولو كان له خمسة وعشرون بعيرا فخلطها بمثلها بعد الحول بيوم ثم ضاع نصفها فعليه في الباقي نصف بنت مخاض لأن نصف الهالك من مال الزكاة ونصفه مما لا زكاة فيه وإن ما بقي نصف مال الزكاة فلهذا قال : .
عليه نصف بنت مخاض في القياس وينبغي على طريقة الاستحسان أن يكون عليه في الباقي شاتان لأن الهالك يجعل كأن لم يكن والباقي من مال الزكاة اثني عشر ونصف ولكن وجه القياس أقوى كما بينا .
وما ذكر بعد هذا إلى آخر الكتاب من مسائل المعدن وصدقة الفطر فقد بينا جميع ذلك في كتاب الزكاة والصوم فلا معنى لإعادة ذلك هنا والله سبحانه وتعالى .
صفحة [ 54 ] أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب