قال : C تعالى رجل له أرض عشرية فمنحها لمسلم فزرعها فالعشر على المستعير لأن العشر يجب في الخارج والخارج سلم للمستعير بغير عوض التزمه فيكون هذا والخارج من ملكه في حقه سواء .
وروى " ابن المبارك " عن " أبي حنيفة " C تعالى : أن العشر على المعير لأنه مؤنة الأرض النامية فيجب على مالك الأرض كالخراج إلا أنه فرق ما بين العشر والخراج أنه يعتبر في العشر حصول النماء حقيقة وقد وجد ذلك إلا أن المعير آثر المستعير على نفسه في تحصيل النماء فيكون مستهلكا محل حق الفقراء بمنزلة ما لو زرع الأرض لنفسه ثم وهب الخارج من غيره .
قال : ولو منحها لرجل كافر فعشرها على رب الأرض وهذا يؤيد رواية " ابن المبارك " والفرق بين الفصلين في ظاهر الرواية أن هنا منحها من لا عشر عليه لأن في العشر معنى الصدقة والكافر ليس من أهلها فيصير به مستهلكا محل حق الفقراء وفي الأول إنما منحها لمسلم وهو من أهل أن يلزمه العشر فلا يصير مستهلكا بل يكون محولا حقهم من نفسه إلى غيره .
قال : ولو غصبها مسلم فزرعها فإن كان الزرع نقصها فالعشر على ربها لأن الغاصب ضامن لنقصان الأرض وذلك بمنزلة الأجرة يسلم لرب الأرض فيلزمه العشر في قول " أبي حنيفة " C تعالى .
وفي قولهما العشر : في الخارج بمنزلة ما لو أجرها من .
صفحة [ 46 ] مسلم وإن لم ينقصها الزرع فلا عشر على ربها لأنه لم يكن متمكنا من الانتفاع بها ولا كان مسلطا للزارع على زراعتها ولكن العشر في الخارج على الغاصب لأن منفعة الأرض سلمت له بغير عوض وإن غصبها منه كافر فإن نقصها الزراعة فالعشر على ربها لأنه قد سلم له عوض منفعة الأرض فهو بمنزلة ما لو أجرها وإن لم ينقصها فلا عشر فيها لأن من سلمت له المنفعة ليس من أهل أن يلزمه العشر والمالك لم يكن متمكنا من الانتفاع بها .
وروى " جرير بن إسماعيل " عن " محمد " رحمهما الله تعالى أن على الغاصب عشرها لأن المنفعة سلمت له على الوجه الذي يسلم أن لو كان مالكا للأرض وهذا صحيح على أصل " محمد " C تعالى فإن عنده الكافر إذا اشترى أرضا عشرية من مسلم فعليه عشرها كما كان وإن اختلفت الرواية عنه في مصرف العشر المأخوذ من الكافر وقد بينا ذلك في السير والزكاة .
قال : ولو أعار المسلم أرضه الخراجية فالخراج عليه سواء كان المستعير مسلما أو كافرا لأن وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع بالأرض وقد كان المعير متمكنا من ذلك ثم الخراج مؤنة الأرض النامية ومؤنة الملك تجب على المالك إلا أن في العشر محل هذه المؤنة الخارج فأمكن إيجابها فيه فإن كان المستعير مسلما أوجبنا الخراج في الخارج ومحل الخراج ذمة المالك فسواء كان المستعير مسلما أو كافرا كان الخراج على المالك في ذمته فإن غصبها مسلم أو كافر فعلى الغاصب نقصان الأرض والخراج على ربها .
ويستوى إن قل النقصان أو كثر في قول " أبي حنيفة بمنزلة " ما لو أخرجها بعوض قليل أو كثير .
وعلى قول " محمد " C تعالى إن كان النقصان مثل الخراج أو أكثر فالخراج على ربها وإن كان النقصان أقل فعلى الغاصب أن يؤدي الخراج وليس عليه ضمان النقصان استحسن ذلك لدفع الضرر عن صاحب الأرض وإن لم تنقصها الزراعة شيئا فالخراج على الغاصب دون المالك لأن الغاصب هو المتمكن من الانتفاع بها بغير عوض دون المالك .
قال : ولو أن صاحب الأرض الخراجية زرعها ولم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فلا خراج فيها بخلاف ما إذا لم يزرعها لأنه إذا عطلها فقد تمكن من الانتفاع بها وإذا زرعها فلم تخرج شيئا أو أصاب الزرع آفة فقد انعدم تمكنه من الانتفاع بها وهو مصاب في هذه الحالة يعان ولا يغرم شيئا كيلا يؤدي إلى استئصالها ومما حمد من سير الأكاسرة أنه إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة غرموا له ما أنفق في الزراعة من بيت مالهم وقالوا التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح فإن لم يعطه .
صفحة [ 47 ] الإمام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج فإن لم يزرعها ولكنها غرقت ثم نضب الماء عنها في وقت لا يقدر على زراعتها قبل مضي السنة فلا خراج عليه لأنه لم يتمكن من الانتفاع بها ولو نضب الماء عنها في وقت يقدر على زراعتها قبل مضي السنة فعليه الخراج زرعها أو لم يزرعها لأنه تمكن من الانتفاع بها .
قال : ولو أن رجلا اشترى أرضا عشرية أو خراجية للتجارة فلا زكاة فيها وإن حال الحول عليها ولكن فيها العشر أو الخراج لأن وجوب العشر أو الخراج باعتبار نماء الأرض وكذلك وجوب الزكاة باعتبار معنى النماء وكل واحد من الحقين يجب لله تعالى فلا يجوز الجمع بينهما بسبب أرض واحدة ولما تعذر الجمع بينهما رجحنا ما تقرر فيها وهو العشر أو الخراج فقد صار ذلك وظيفة لازمة لهذه الأرض فلا يتغير ذلك بنيته ولأن العشر والخراج أسرع وجوبا من الزكاة فإنه لا يعتبر فيهما كمال النصاب ولا صفة الغنى في المالك وبه فارق ما لو اشترى دارا للتجارة فإنه ليس في رقبة الدار وظيفة أخرى فتعمل نية التجارة فيها حتى تلزمه الزكاة .
وروى " ابن سماعة " عن " محمد " رحمهما الله تعالى أن الأرض إذا كانت عشرية فاشتراها للتجارة فعليه فيها الزكاة لأن العشر إنما يجب في الخارج والزكاة إنما تجب باعتبار مالية الأرض في ذمة المالك فقد اختلف محل الحقين فيجمع بينهما بخلاف الخراج فإنه يجب في ذمة المالك كالزكاة .
ولكن هذا ضعيف وقد صح من أصل علمائنا أنه لا يجمع بين العشر والخراج والعشر يجب في الخارج والخراج يجب في ذمة المالك ثم لم يجز الجمع بينهما .
قال : ولو أن كافرا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها الخراج في قول " أبي حنيفة " C تعالى ولكن هذا بعد ما انقطع حق المسلم عنها من كل وجه حتى لو استحقها مسلم أو أخذها بالشفعة كانت عشرية على حالها سواء وضع عليها الخراج أو لم يوضع لأنه لم ينقطع حق المسلم عنها فلو وجد المشتري بها عيبا لم يستطع أن يرده بعد ما وضع عليها الخراج لأن الخراج عيب وهذا عيب حدث في ملك المشتري فيمنعه من الرد بالعيب ألا ترى أن مسلما لو اشترى أرضا خراجية بشرط أن خراجها درهم فوجده درهمين كان له أن يردها فإن كان زيادة الخراج عيبا فكذلك أصل الخراج فإذا تعذر ردها بالعيب رجع بحصة العيب من الثمن فإن لم يكن وضع عليها الخراج حتى وجد بها عيبا فله أن يرد الأرض لأنها إنما بيعت بوضع الخراج عليها وإنما ذكر هذا التفصيل هنا ومراده من وضع الخراج عليها مطالبة صاحبها بأداء الخراج .
ولو باعها بعد الحول فعليه زكاة الألف لأنه بقدر المحاباة صار مستهلكا ولو استهلك الكل بعد الحول كان ضامنا للزكاة فكذلك إذا استهلك البعض .
ولو باعها بعد الحول فعليه زكاة الألف لأنه بقدر المحاباة صار مستهلكا ولو استهلك الكل بعد الحول كان ضامنا للزكاة فكذلك إذا استهلك البعض .
قال : وإن كانت عنده لغير التجارة فباعها قبل الحول بيوم بثمانمائة درهم فإنه يضم هذا إلى ماله فيزكيه مع ماله إذا تم الحول لأن هذا مستفاد من جنس النصاب في خلال الحول ولو باعها بعد الحول بيوم لم يكن عليه زكاة في ثمنها حتى يحول عليها الحول لأنه مستفاد بعد تمام الحول وهذا لأن الجارية لما لم تكن للتجارة عنده فإنما حدثت المالية له في حكم الزكاة بتصرفه هذا فيكون ثمنها بمنزلة مال وهب له في حكم الزكاة .
ولو باعها بعد الحول فعليه زكاة الألف لأنه بقدر المحاباة صار مستهلكا ولو استهلك الكل بعد الحول كان ضامنا للزكاة فكذلك إذا استهلك البعض .
قال : ولو .
صفحة [ 48 ] أن تغلبيا اشترى أرضا من أرض العشر فعليه العشر مضاعفا وهذا قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى .
أما عند " أبي حنيفة " C تعالى فلأن الصلح وقع بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم ما يؤخذ من المسلم والعشر يؤخذ من المسلم فيضعف عليهم .
وأما عند " أبي يوسف " C تعالى فلأن كافرا آخر لو اشترى أرضا عشرية كان العشر عليه مضاعفا عنده فالتغلبي أولى .
وأما عند " محمد " C تعالى عليه عشر واحد لأن تضعيف العشر في الأراضي الأصلية لهم وهي التي وقع عليها الصلح فأما فيما سوى ذلك من الأرضين التغلبي كغيره من الكفار وما صار وظيفة في الأرض لا يتبدل بتبدل المالك عند " محمد " C تعالى .
قال : ألا ترى أنه لو اشترى أرضا خراجية كان عليه الخراج على حاله ولو اشترى أرضا من أرض نجران كان عليه المال على حاله .
ولكنا نقول : إنما وقع الصلح بيننا وبينهم على أن يضعف عليهم ما يبذله المسلم والخراج مما لا يبذله المسلم فلا يضعف عليهم وأما العشر مما يبذله المسلم فيضعف عليهم باعتبار الصلح كما لو اشترى سائمة من مسلم يجب عليه الصدقة فيها مضعفة ولو أن رجلا اشترى أرضا خراجية فإن كان العقد في وقت يتمكن فيه من زراعتها قبل مضي السنة فالخراج على المشتري لأنه تمكن من الانتفاع بها بعد ما تملكها وإن كان لا يقدر على زراعتها حتى تمضي السنة فالخراج على البائع لأنه هو المتمكن من الانتفاع بها في السنة قبل أن يبيعها وقد بينا أن وجوب الخراج باعتبار التمكن من الانتفاع .
قال : وإن باع أرضا عشرية بما فيها من الزرع فإن كان الزرع قد بلغ فالعشر على البائع لأن بإدراك الزرع وجب عليه العشر فيها ثم بإخراجها من ملكه صار مستهلكا محل حق الفقراء فيكون ضامنا للعشر .
وإن لم يبلغ الزرع فالعشر على المشتري في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى .
وفي قول " أبي يوسف " C تعالى عشر الزرع على البائع وفضل ما بينهما على المشتري لأن من أصل " أبي حنيفة " C تعالى أن العشر يجب في القصيل إذا قصله صاحبه وإذا لم يقصله حتى انعقد الحب فإنما يجب العشر في الحب دون القصيل وقد انعقد الحب في ملك المشترى فكان العشر عليه .
و " أبو يوسف " C تعالى يقول : هو عند اتحاد المالك كذلك فأما إذا كان الزرع في ملك إنسان وانعقاد الحب في ملك غيره فلا بد من اعتبار الحالين لأن وجوب العشر في النماء الحاصل وأصل الزرع إنما حصل للبائع بغير عوض فأما المشتري إنما حصل له ذلك بعوض وهو الثمن فلا يمكن إيجاب العشر في ذلك القدر على المشتري فأوجبناه على البائع .
صفحة [ 49 ] وما حصل من الفضل بعد الشراء فهو إنما يسلم للمشتري بغير عوض فعليه عشر ذلك الفضل فإن كان من جملة الخضراوات ولكن ليس له ثمرة باقية يجب فيه العشر عندهما .
قال : ولو أن أرضا غصبها رجل فزرعها فالزرع له ويتصدق بالفضل على ما أنفق فيها في قول " أبي حنيفة " C تعالى ولا يتصدق في قول " أبي يوسف " C تعالى بشيء وقد بينا هذا في كتاب الغصب فيما إذا تصرف الغاصب في المغصوب أو تصرف المودع وربح .
قال : فإن كان أجرها بمال كثير يجب في مثله الزكاة فحال عليها الحول فعليه أن يتصدق بها ولا زكاة عليه لأنه قد لزمه التصدق بجميعها قبل حولان الحول فلا يلزمه شيء آخر باعتبار مضي الحول وهذا بخلاف ما تقدم وهو ما إذا نذر أن يتصدق بمائتي درهم عينها فحال عليها الحول تجب فيها الزكاة لأن المال هناك كان ملكا طيبا له وإنما التزم التصدق بها بنذره والالتزام بالنذر يكون في الذمة ولهذا كان له أن يتصدق بغيرها ويمسكها فلهذا لزمته الزكاة فيها وأما هنا إنما لزمه التصدق في عين هذا المال حيث تمكن منه حتى لا يكون له أن يتصدق بغيره ويمسكه فهلذا لا يلزمه شيء آخر .
فإن حال عليه الحول رجع " أبو يوسف " C تعالى عن هذا فقال عليه الزكاة فيها والفضل يتصدق به لأن ملكه فيها كامل فتلزمه الزكاة باعتبار الحول ولكن هذا ضعيف فإن وجوب الزكاة في المال بمعنى التطهير . قال الله تعالى : " تطهرهم وتزكيهم بها " التوبة : 103 وهذا لا يحصل بإيجاب الزكاة في هذا المال لأنه لا يزول الخبث بأداء الزكاة ولكن يلزمه التصدق بالفضل فلا معنى لإيجاب الزكاة فيها فقلنا يتصدق بجميعها بعد الحول كما كان يتصدق قبل الحول .
قال : ولو أن مسلما باع أرضه العشرية بما فيها من زرع لم يدرك من كافر فعلى قول " أبي حنيفة " C تعالى يوضع فيها الخراج لأن الحب انعقد في ملك المشتري فكأنه هو الذي زرعها بعد الشراء فعليه الخراج .
وقال " أبو يوسف " C تعالى : على البائع عشر الزرع ويوضع الخراج على الكافر .
أما قوله على البائع عشر الزرع صحيح على قياس مذهبه فيما إذا باعها من مسلم وأما قوله ويوضع الخراج على الكافر فهو غلط لأن من أصل " أبي يوسف " C تعالى أن الكافر إذا اشترى أرضا عشرية فعليه فيها عشران ولا يوضع الخراج عليه فهنا أيضا على قوله يجب في الفضل عشران على المشتري لأن المشتري لو كان مسلما كان عليه عشر الفضل فإذا كان كافرا كان عليه في الفضل عشران .
قال : وإن أجرها مسلم من مسلم فلم يزرعها فلا عشر فيها لأن محل العشر الخارج ولم يحصل ولو عطلها .
صفحة [ 50 ] المالك لم يجب عشرها على أحد فكذلك إذا عطلها المستأجر ولكن على المستأجر الأجر إن كان قد قبضها لأنه كان متمكنا من الانتفاع بها في المدة وبالتمكن من الانتفاع يتقرر الأجر عليه