( تابع . . . 1 ) : صفحة [ 2 ] قال : الأصل في وجوب العشر قوله تعالى : { " أنفقوا من طيبات ما .
أما " أبو يوسف " C تعالى فقال تضعيف العشر باعتبار كفر المالك وقد زال ذلك بإسلامه أو بيعه من المسلم فهو نظير السوائم إذا أسلم عليها التغلبي أو باعها من المسلم لا يجب فيها إلا صدقة واحدة .
و " أبو حنيفة " C تعالى قال : التضعيف على بني تغلب في العشر بمنزلة الخراج حتى يوضع موضع الخراج وبعدما صارت خراجية لا تتبدل بإسلام المالك ولا يبيعها من المسلم فهذا كذلك بخلاف السوائم فإنه لا وظيفة فيها باعتبار الأصل حتى إذا كانت لغير التغلبي من الكفار لا يجب فيها شيء فعرفنا أن التضعيف فيها كان باعتبار المالك فيسقط بتبدل المالك أو بتبدل حاله بالإسلام .
أما بيان الأرض العشرية والخراجية فنقول أرض العرب كلها أرض عشرية وحدها من " العذيب " إلى " مكة " ومن " عدن " أبين إلى أقصى حجر " باليمن " بمهرة وكان ينبغي في القياس أن تكون أرض " مكة " أرض خراج لأن رسول الله A فتحها عنوة وقهرا ولكنه لم يوظف عليها الخراج فكما لا رق على العرب لا خراج على أرضهم وكل بلدة أسلم أهلها طوعا فهي أرض عشرية لأن ابتداء الوظيفة فيها على المسلم والمسلم لا يبدأ بالخراج صيانة له عن معنى الصغار فكان عليه العشر وكل بلدة افتتحها الإمام عنوة وقسمها بين الغانمين فهي أرض عشرية لما بينا وكذلك المسلم إذا جعل داره بستانا أو أحيا أرضا ميتة فهي أرض عشرية .
وفي النوادر ذكر اختلافا بين " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى وقال عند " أبي يوسف " إن كانت هذه الأراضي تقرب من الأراضي العشرية فهي عشرية وإن كانت بالقرب من الأراضي الخراجية فهي خراجية لأن للقرب عبرة ألا ترى أن ما يقرب من القرية ليس لأحد إحياؤها لحق أهل القرية والمرء أحق بالانتفاع بفناء داره .
وقال " محمد " C تعالى إن أحياها بماء السماء أو عين استنبطها أو نهر شقه لها من الأودية .
صفحة [ 8 ] العظام " كالفرات " و " دجلة " و " جيحون " فهي عشرية وإن شق لها نهرا من بعض الأنهار الخراجية فهي خراجية لأن الخراج لا يوظف على المسلم إلا بالتزامه فإذا ساق إلى أرضه ماء الخراج فهو ملتزم للخراج فيلزمه وإلا فلا وأما أرض السواد والجبل فهي أرض خراج وحد السواد من العذيب إلى عقبة " حلوان " ومن " الثعلبية " إلى " عبادان " لأن " عمر " Bه حين فتح السواد وظف عليها الخراج وبعث لذلك " عثمان بن حنيف " و " حذيفة بن اليمان " .
قال : وكل بلدة فتحها الإمام عنوة وقهرا ثم من بها على أهلها فهي أرض خراج لأن ابتداء الوظيفة فيها على الكافر ولا يمكن إيجاب العشر لأنها صدقة والكافر ليس من أهلها فيوظف الخراج عليها ولأن خراج الأراضي تبع لخراج الجماجم والذمي إذا جعل داره بستانا أو أحيا أرضا ميتة بإذن الإمام فعليه فيها الخراج لما بينا .
قال : وإذا قال صاحب الأرض قد أديت العشر إلى المساكين لم يقبل قوله وإن حلف على ذلك لأن حق الأخذ فيه إلى السلطان فكان نظير زكاة السوائم على ما بينا .
قال : وإن وضع العشر أو الزكاة في صنف واحد من غير أن يأتي به السلطان وسعه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى .
واعلم أن مصارف العشر والزكاة ما يتلى في كتاب الله D في قوله تعالى : { " إنما الصدقات للفقراء والمساكين } " التوبة : 60 الآية وللناس كلام في الفرق بين الفقير والمسكين .
فروى " أبو يوسف " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أن الفقير هو الذي لا يسأل والمسكين هو الذي يسأل قال الله تعالى في صفة الفقراء { " لا يسألون الناس إلحافا " } البقرة : 273 قيل لا إلحافا ولا غير إلحاف وفي المسكين قال الله تعالى : { " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } " الإنسان : 8 ، وقد جاء يسأل .
وقد روى " الحسن بن زياد " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أن الفقير هو الذي يسأل ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس قال الله تعالى : { " وأنتم الفقراء " } محمد : 38 والمسكين هو الذي به زمانة لا يسأل ولا يعطى له قال الله تعالى : { " أو مسكينا ذا متربة " } البلد : 16 أي لاصقا بالتراب من الجوع والعرى .
فالحاصل أن المذهب عندنا أن المسكين أسوأ حالا من الفقير .
وعند " الشافعي " C تعالى الفقير أسوأ حالا من المسكين وبين أهل اللغة فيه اختلاف .
ومن قال بأن المسكين أسوأ حالا قال الفقير الذي يملك شيئا ولكن لا يغنيه . قال الراعي : .
أما الفقير الذي كانت حلوبته .
وفق العيال فلم يترك له سبد .
والمسكين من لا يملك شيئا .
ومن قال الفقير أسوأ حالا من المسكين قال المسكين من يملك مالا يغنيه قال الله تعالى : { " أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر " } الكهف : 79 وقال الراجز : .
صفحة [ 9 ] " هل لك في أجر عظيم تؤجره " .
تنيث مسكينا كثيرا عسكره .
عشر شياه سمعه وبصره .
والفقير الذي لا يملك شيئا مشتق من انكسار فقار الظهر والحديث يشهد لهذا وهو ما " روى عن النبي A قال : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين " .
وفائدة هذا الخلاف إنما تظهر في الوصايا والأوقاف أما الزكاة فيجوز صرفها إلى صنف واحد عندنا فلا يظهر هذا الخلاف .
والعاملين عليها وهم الذين يستعملهم الإمام على جمع الصدقات ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم ولا يقدر ذلك بالثمن عندنا .
خلافا " للشافعي " C تعالى .
لأنهم لما فرغوا أنفسهم لعمل الفقراء كانت كفايتهم في مالهم ولهذا يأخذون مع الغنى .
ولو هلك ما جمعوه قبل أن يأخذوا منه شيئا سقط حقهم كالمضارب إذا هلك مال المضاربة في يده بعد التصرف وكانت الزكاة مجزية عن المؤدين لأنهم نائبون عن الفقراء بالقبض .
وأما المؤلفة قلوبهم فكانوا قوما من رؤساء العرب " كأبي سفيان بن حرب " و " صفوان بن أمية " و " عيينة بن حصن " و " الأقرع بن حابس " وكان يعطيهم رسول الله A بفرض الله سهما من الصدقة يؤلفهم به على الإسلام .
فقيل : كانوا قد أسلموا .
وقيل : كانوا وعدوا أن يسلموا .
فإن قيل : كيف يجوز أن يقال بأنه يصرف إليهم وهم كفار ؟ .
قلنا : الجهاد واجب على الفقراء من المسلمين والأغنياء لدفع شر المشركين فكان يدفع إليهم جزأ من مال الفقراء لدفع شرهم وذلك قائم مقام الجهاد في ذلك الوقت . ثم سقط السهم بوفاة رسول الله A هكذا قال " الشعبي " انقضى الرشا بوفاة رسول الله A .
وروى أنهم في خلافة " أبي بكر " رضي الله تعالى عنه استبذلوا الخط لنصيبهم فبذل لهم وجاءوا إلى " عمر " فاستبذلوا خطه فأبى ومزق خط " أبي بكر " رضي الله تعالى عنه وقال هذا شيء كان يعطيكم رسول الله A تأليفا لكم وأما اليوم فقد أعز الله الدين فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف فعادوا إلى " أبي بكر " رضي الله تعالى عنه وقالوا له أنت الخليفة أم " عمر " بذلت لنا الخط ومزقه " عمر " فقال هو إن شاء ولم يخالفه .
وأما قوله تعالى : { " وفي الرقاب " } فالمراد إعانة المكاتبين على أداء بدل الكتابة بصرف الصدقة إليهم عندنا .
وقال " مالك " C تعالى المراد أن يشتري بالصدقة عبدا فيعتقه .
وهذا فاسد لأن التمليك لا بد منه وما يأخذه بائع العبد عوض عن ملكه والعبد يعتق على ملك المولى فلا يوجد التمليك .
صفحة [ 10 ] والدليل عليه ما " روى أن رجلا قال أي رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فقال فك الرقبة وأعتق النسمة قال أوليسا سواء يا رسول الله قال لا فك الرقبة أن تعين في عتقه " .
وأما قوله تعالى : { " والغارمين } " فهم المديونون الذين لا يملكون نصابا فاضلا عن دينهم .
وقال " الشافعي " C تعالى المراد من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين وإطفاء الثائرة بين القبيلتين .
وأما قوله تعالى : { " وفي سبيل الله } " فهم فقراء الغزاة هكذا قال " أبو يوسف " .
وقال " محمد " هم فقراء الحاج المنقطع بهم . لما " روى أن رجلا جعل بعيرا له في سبيل الله فأمر رسول الله A أن يحمل عليه الحاج " .
و " أبو يوسف " C تعالى يقول الطاعات كلها في سبيل الله تعالى ولكن عند اطلاق هذا اللفظ المقصود بهم الغزاة عند الناس .
ولا يصرف إلى الأغنياء من الغزاة عندنا خلافا " للشافعي " C تعالى .
واستدل " بقوله A لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة " وذكر من جملتهم الغازي في سبيل الله تعالى .
ولكنا نقول : المراد الغني بقوة البدن والقدرة على الكسب إنما تكون بالبدن لا بملك المال بدليل الحديث الآخر وردها في فقرائهم .
وأما ابن السبيل فهو المنقطع عن ماله لبعده منه والسبيل الطريق فكل من يكون مسافرا على الطريق يسمى ابن السبيل كمن يكون فقيرا أو غنيا يسمى ابن الفقر وابن الغنى وابن السبيل غني ملكا حتى تجب الزكاة في ماله ويؤمر بالأداء إذا وصلت يده إليه وهو فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة للحال لحاجته .
ثم هؤلاء الأصناف مصارف الصدقات لا مستحقون لها عندنا حتى يجوز الصرف إلى واحد منهم .
وقال " الشافعي " C تعالى هم مستحقون لها حتى لا تجوز ما لم تصرف إلى الأصناف السبعة من كل صنف ثلاثة .
واستدل بالآية و " بحديث إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسمة ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسمتها من فوق سبعة أرقعة " واعتبر أمر الشرع بأمر العباد فإن من أوصى بثلث ماله لهؤلاء الأصناف لم يجز حرمان بعضهم فكذلك في أمر الشرع .
ولنا قوله تعالى : { " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " } البقرة : 271 . و " قال A " لمعاذ " Bه . وردها في فقرائهم " . وبعث " عمر " Bه بصدقة إلى بيت أهل رجل واحد هكذا نقل عن " ابن عباس " و " حذيفة بن اليمان " Bهم وقد بينا أن المقصود إغناء المحتاج وذلك حاصل بالصرف إلى واحد وبه فارق أوامر العباد لأن المعتبر فيها اللفظ دون المعنى فقد تقع خالية عن حكمة حميدة بخلاف أوامر الشرع أما الآية فقد قال " ابن عباس " .
صفحة [ 11 ] Bه المراد بيان المصارف فإلى أيهم انصرفت أجزأت كما أن الله تعالى أمره باستقبال الكعبة في الصلاة وإذا استقبل جزأ كان ممتثلا للأمر ألا ترى أن الله تعالى ذكر الأصناف بأوصاف تنبئ عن الحاجة فعرفنا أن المقصود سد خلة المحتاج .
غ قال : ولا يجوز تعجيل عشر ما لم يزرع وعشر ثمر لم يخرج أما تعجيل عشر الثمار قبل ظهور الطلع فلا يجوز في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى .
ويجوز في قول " أبي يوسف " C تعالى ذكره في الإملاء . قال : لأنه لم يبق بينه وبين الوجوب إلا مجرد مضي الزمان فهو كتعجيل الزكاة بعد كمال النصاب .
و " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى قالا السبب الموجب لم يوجد لأن الموجود ملك رقاب النخيل وهو ليس بسبب للعشر حتى لو قطعها لم يلزمه شيء وتعجيل الحق قبل وجود سبب وجوبه لا يجوز كتعجيل الزكاة قبل تمام النصاب .
أما تعجيل عشر الزرع قبل الزراعة فلا يجوز بالاتفاق لأن الأرض ليست بسبب لوجوب العشر وقد بقي بينه وبين الوجوب عمل سوى مضي الزمان وهو الزراعة وبعد نبات الزرع يجوز التعجيل بالاتفاق وأما بعد ما زرع قبل أن ينبت فيجوز في قول " أبي يوسف " C تعالى لأنه لم يبق بينه وبين وجوب العشر إلا مضي الزمان .
ولا يجوز عند " أبي حنيفة " ومحمد " رحمهما الله تعالى لأن السبب لم يوجد لأن الحب في الأرض كهوفي الجب ليس بسبب لوجوب العشر .
قال : ولا يعطى زكاته وعشره ولده وولد ولده وأبويه وأجداده وكل من ينسب إلى المؤدي بالولادة أو ينسب إليه بالولادة ولا يجوز صرف الزكاة إليه لأن تمام الإيتاء بانقطاع منفعة المؤدي عما أدى والمنافع بين الآباء والأبناء متصلة قال الله تعالى : { " آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة } " النساء : 11 فلم يتم الإيتاء بالصرف إليهم فأما من سواهم من القرابة فيتم الإيتاء بالصرف إليه وهو أفضل لما فيه من صلة الرحم .
قال : ولا يعطى مدبره وعبده وأم ولده لأنهم مماليكه كسبهم له وكذلك لا يعطى مكاتبه لأن كسب المكاتب دائر بينه وبين المولى فلا يتم الإيتاء بالصرف إليه وهذا بخلاف ما لو دفع إلى مكاتب غني لأن هناك الإيتاء تم بانقطاع منفعة المؤدي عما أدى ولم يثبت فيه للغنى ملك ولا يد للحال وكذلك لا يصرف إلى زوجته لأن الإيتاء لا يتم فمال الزوجة من وجه لزوجها قال الله تعالى : { " ووجدك عائلا فأغنى } " الضحى : 8 قيل بمال " خديجة " .
وعند " الشافعي " C تعالى يجوز بناء على أن شهادة الزوج لزوجته جائزة .
فأما المرأة فلا تعطي زوجها في قول " أبي حنيفة " .
وفي قول " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعطيه .
واستدلا " بحديث " زينب " امرأة " عبدالله بن مسعود " رحمهما .
صفحة [ 12 ] الله تعالى فإنها سألت رسول الله A عن التصدق على زوجها فقال يجوز ولك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة " ولأنه لا حق للزوجة في مال زوجها فيتم الإيتاء كما يتم بالصرف إلى الأخوة بخلاف الزوج يصرف إلى زوجته على ما بينا .
( يتبع . . . )