( تابع . . . 1 ) : أحدها أن الزكاة تجب في عروض التجارة إذا حال الحول عندنا .
صفحة [ 195 ] الواجب جزء من النصاب فإذا كان النصاب دينا فيده مقصورة عما هو حق الفقراء فلا يلزمه الأداء ما لم تصل يده إليه بالقبض كابن السبيل ثم الديون على ثلاث مراتب عند " أبي حنيفة " - C تعالى - دين قوي وهو ما يكون بدلا عن مال كان أصله للتجارة لو بقي في ملكه ودين وسط وهو أن يكون بدلا عن مال لا زكاة فيه لو بقي في ملكه كثياب البذلة والمهنة ودين ضعيف وهو ما يكون بدلا عما ليس بمال كالمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ففي الدين القوي لا يلزمه الأداء ما لم يقبض أربعين درهما فإذا قبض هذا المقدار أدى درهما وكذلك كلما قبض أربعين درهما وفي الدين المتوسط لا يلزمه الأداء ما لم يقبض مائة درهم فحينئذ يؤدي خمسة دراهم وفي الدين الضعيف لا تلزمه الزكاة ما لم يقبض ويحول الحول عنده وروى " ابن سماعة " عن " أبي يوسف " عن " أبي حنيفة " - رحمهم الله تعالى - أن الدين نوعان وجعل الوسط كالضعيف وهو اختيار الكرخي على ما ذكره في المختصر وقال " أبو يوسف " و " محمد " - رحمهما الله تعالى - الديون كلها سواء لا تجب الزكاة فيها قبل القبض وكلما قبض شيئا يلزمه الأداء بقدره قل أو كثر ما خلا دين الكتابة فإنه لا يجب عليه فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول بعد القبض وذكر الكرخي أن المستثنى عندهما دينان الكتابة والدية على العاقلة . وجه قولهما : أن الديون في المالية كلها سواء من حيث أن المطالبة تتوجه بها في الحياة وبعد الوفاة وتصير مالا بالقبض حقيقة فتجب الزكاة في كلها ويلزمه الأداء بقدر ما يصل إليه كابن السبيل بخلاف دين الكتابة فإنه ليس بدين على الحقيقة حتى لا تتوجه المطالبة به ولا تصح الكفالة به وهذا لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا وكذلك الدية على العاقلة وجوبها بطريق الصلة لا أنه دين على الحقيقة حتى لا يستوفي من تركة من مات من العاقلة .
وجه قول " أبي حنيفة " - C تعالى - أن ما هو بدل عما ليس بمال فملك المالية يثبت فيه ابتداء فهو دين والدين ليس بمال على الحقيقة حتى لو حلف صاحبه أن لا مال له لا يحنث في يمينه وإنما تتم المالية فيه عند تعيينه بالقبض فلا يصير نصاب الزكاة ما لم تثبت فيه صفة المالية والحول لا ينعقد إلا على نصاب الزكاة فأما ما كان بدلا عن مال التجارة فملك المالية كان تاما في أصله قبل أن يصير دينا فبقي على ما كان لأن الخلف يعمل عمل الأصل فيجب فيه الزكاة قبل القبض ولكن وجوب الأداء يتوقف على القبض ونصاب الأداء يتقدر بأربعين درهما عند " أبي حنيفة " - C تعالى - كما بينا في الزيادة على المائتين وأما بدل ثياب البذلة والمهنة فذهب " الكرخي " إلى أن .
صفحة [ 196 ] أصله لم يكن مالا شرعا حتى لم يكن محلا للزكاة فهو وما لم يكن أصله مالا على الحقيقة سواء . وجه ظاهر الرواية أنه أخذ شبها من أصلين من عروض التجارة باعتبار أن أصله مال على الحقيقة ومن المهر باعتبار أن أصله ليس بمال في حكم الزكاة شرعا فيوفر حظه منهما ويقال أن وجوب الزكاة فيه ابتداء فيعتبر في المقبوض أن يكون نصاب الزكاة وهو المائتان ويجب فيه الزكاة قبل القبض من حيث أن ملك المالية لم يثبت في الدين ابتداء وفي الأجرة ثلاث روايات عن " أبي حنيفة " - C تعالى - في رواية جعلها كالمهر لأنها ليست ببدل عن المال حقيقة لأنها بدل عن المنفعة وفي رواية جعلها كبدل ثياب البذلة لأن المنافع مال من وجه لكنه ليس بمحل لوجوب الزكاة فيه .
والأصح أن أجرة دار التجارة أو عبد التجارة بمنزلة ثمن متاع التجارة كلما قبض منها أربعين تلزمه الزكاة اعتبارا لبدل المنفعة ببدل العين . وإن كان الدين وجب له بميراث أو وصية أوصي له به ففي كتاب الزكاة جعله كالدين الوسط وقال إذا قبض مائتي درهم تلزمه الزكاة لما مضى لأن ملك الوارث ينبني على ملك المورث وقد كان في ملك المورث بدلا عما هو مال وفي نوادر الزكاة جعله كالدين الضعيف لأن الوارث ملكه ابتداء وهو دين فلا تجب فيه الزكاة حتى يقبض ويحول عليه الحول عنده وإن كان الدين ضمان قيمة عبد أعتق شريكه نصيبه منه فاختار تضمينه فهذا والدين الواجب بسبب بيعه نصيبه من شريكه سواء لأن هذا الضمان يوجب الملك لشريكه في نصيبه .
وإن كان الدين سعاية لزم ذمة العبد بعتق شريكه وهو معسر ففي الكتاب يقول هو ودين الكتابة سواء لا يجب فيه الزكاة حتى يحول عليه الحول بعد القبض قيل : هو قول " أبي حنيفة " - C تعالى - فإن المستسعى عنده مكاتب .
فأما عندهما فالمستسعي حر عليه دين فيجب فيه الزكاة عندهما قبل القبض وقيل هو قولهم جميعا وعذرهما أن سبب وجوب هذا الدين لم يكن من العبد فكان صلة في حقه فلا يتم الملك فيه إلا بالقبض كالدية على العاقلة .
قال : رجل له ألف درهم فحال عليها الحول ثم اشترى بها عبدا للتجارة فمات العبد لم يضمن الزكاة وإن اشترى بها عبدا للخدمة فهو ضامن للزكاة لأن المشترى للتجارة محل لحق الفقراء فهو بتصرفه حول حقه من محل إلى محل فلم يكن مستهلكا وكان هلاك البدل في يده كهلاك الأصل فأما عبد الخدمة فليس بمحل لحق الفقراء حتى صار هو بتصرفه مفوتا محل حقهم فيصير ضامنا للزكاة مات العبد في يده أو بقي ألا ترى أن في خلال الحول لو اشترى عبدا للتجارة لم ينقطع فيه .
صفحة [ 197 ] الحول بخلاف ما إذا اشترى بالألف عبدا للخدمة .
ولو أبدل الدراهم بالدنانير أو الدنانير بالدراهم في خلال الحول لم ينقطع الحول عندنا .
وقال " الشافعي " - C تعالى - إذا بادل بالدنانير انقطع الحول وهو بناء على أصله أنهما جنسان في باب الزكاة حتى لا يضم أحدهما إلى الآخر فهو كالسوائم وعندنا هما جنس واحد في حكم الزكاة حتى يضم أحدهما إلى الآخر فكانا بمنزلة عروض التجارة يبادل بها في خلال الحول .
قال : رجل له ألف درهم وعليه ألف درهم وله دار وخادم لغير التجارة بقيمة عشرة آلاف درهم فلا زكاة عليه لأن الدين مصروف إلى المال الذي في يده لأنه فاضل عن حاجته معد للتقليب والتصرف به فكان الدين مصروفا إليه فأما الدار والخادم فمشغول بحاجته فلا يصرف الدين إليه .
قال : وفي الكتاب أرأيت لو تصدق عليه أنه يكون موضعا للصدقة لأنه معدوم يريد به أن المال مشغول بالدين فهو كالمعدوم وملك الدار والخادم لا يحرم عليه أخذ الصدقة لأنه لا يزيل حاجته بل يزيد فيها فالدار تسترم والعبد يستنفق فلا بد له منهما وهو في معنى ما نقل عن " الحسن البصري " - C تعالى - أن الصدقة كانت تحل للرجل وهو صاحب عشرة آلاف درهم قيل وكيف يكون ذلك قال يكون له الدار والخادم والكراع والسلاح وكانوا ينهون عن بيع ذلك فعلى هذا قال مشايخنا - رحمهم الله تعالى - أن الفقيه إذا ملك من الكتب ما يساوي مالا عظيما ولكنه محتاج إليها يحل له أخذ الصدقة إلا أن يملك فضلا عن حاجته ما يساوي مائتي درهم .
قال : وإن كان للرجل التاجر ديون على الناس وفيهم المليء وغير المليء وحال الحول فمن كان منهم مقرا مليا وجبت فيه الزكاة على صاحبه ولزمه الأداء إذا قبض أربعين درهما ومن كان منهم جاحدا فليس فيه الزكاة على صاحبه إلا على قول " زفر " - C تعالى - وقد بينا هذا في تفسير مال الضمار ومن كان منهم مقرا مفلسا فعلى قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " - رحمهما الله تعالى - يجب على صاحبها الزكاة قبل القبض وعند " محمد " - C تعالى - إذا فلسه الحاكم فلا زكاة على صاحبها قبل القبض مر " محمد " - C تعالى - على أصله أن التفليس يتحقق فيصير المال تاويا ومر " أبو حنيفة " - C تعالى - على أصله أن التفليس لا يتحقق لأن المال غاد ورائح فلا يصير به المال تاويا " وأبو يوسف " - C تعالى - يقول التفليس وإن كان يتحقق عندي ولكن لا يسقط به الدين إنما تتأخر المطالبة فهو نظير الدين المؤجل والزكاة في الدين تجب قبل القبض المؤجل ثم قد بينا أنه لا يلزمه الأداء قبل القبض عندنا وإن فعل كان فضلا كمن عجل الزكاة بعد كمال النصاب قبل حولان الحول .
صفحة [ 198 ] قال : وليس على التاجر زكاة مسكنه وخدمه ومركبه وكسوة أهله وطعامهم وما يتجمل به من آنية أو لؤلؤ وفرس ومتاع لم ينو به التجارة لأن نصاب الزكاة المال النامي ومعنى النماء في هذه الأشياء لا يكون بدون نية التجارة وكذلك الفلوس يشتريها للنفقة فإنها صفر والصفر ليس بمال الزكاة باعتبار عينه بل باعتبار طلب النماء منه وذلك غير موجود فيما إذا اشتراه للنفقة . وذكر " بشر بن الوليد " عن " أبي يوسف " - C تعالى - أن الصباغ إذا اشترى العصفر والزعفران ليصبغ بهما ثياب الناس فعليه فيهما الزكاة لأن ما يأخذه عوض عن الصبغ القائم بالثوب ألا ترى أن عند فساد العقد يصار إلى التقويم فكان هذا مال التجارة بخلاف القصار إذا اشترى الحرض والصابون والقلى لأن ذلك آلة عمله فيصير مستهلكا ولا يبقى في الثوب عينه فما يأخذ من العوض يكون بدل عمله لا بدل الآلة ونخاس الدواب إذا اشترى الجلال والبراقع والمقاود فإن كان يبيعها مع الدواب فعليه فيها الزكاة وإن كان يحفظ الدواب بها ولا يبيعها فليس عليه فيها الزكاة إذا لم ينو التجارة عند شرائها ثم لا خلاف أن نية التجارة إذا اقترنت بالشراء أو الإعارة صار المال للتجارة لأن النية اقترنت بعمل التجارة ولو ورث مالا فنوى به التجارة لا يكون للتجارة لأن النية تجردت عن العمل فالميراث يدخل في ملكه من غير صنعه .
ولو قبل الهبة والوصية في مال بنية التجارة عند " أبي يوسف " - C تعالى - يكون للتجارة .
وعند " محمد " - C تعالى - لا يكون للتجارة وكذلك في المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد " فمحمد " - C تعالى - يقول نية التجارة لا تعمل إلا مقرونة بعمل التجارة وهذه الأسباب ليست بتجارة و " أبو يوسف " - C تعالى - يقول التجارة عقد اكتساب المال فما لا يدخل في ملكه إلا بقبوله فهو كسبه فيصح اقتران نية التجارة بفعله كالشراء والإجارة .
قال : وما كان عنده من المال للتجارة فنواه للمهنة خرج من أن يكون للتجارة لأنه نوى ترك التجارة وهو تارك لها للحال فاقترنت النية بالعمل وإن كان عنده عبيد للخدمة فنوى التجارة لم تكن للتجارة ما لم يبعهم لأن النية تجردت عن عمل التجارة وهو نظير المسافر ينوي الإقامة فإنه يصير مقيما والمقيم ينوي السفر فلا يصير مسافرا ما لم يخرج إلى السفر والله أعلم بالصواب