أحدها أن الزكاة تجب في عروض التجارة إذا حال الحول عندنا .
وقال " مالك " - C تعالى - إذا باعها زكى لحول واحد وإن مضى عليها في ملكه أحوال .
وقال نفاة القياس لا شيء فيها .
والدليل على وجوب الزكاة فيها " حديث " سمرة بن جندب " أن النبي A كان يأمرنا بإخراج الزكاة من الرقيق وفي كل مال يتبعه " وفي " حديث " أبي ذر " - Bه - أن النبي A قال : وفي البر صدقة إذا كان للتجارة " وفي حديث " عمر " - Bه - أنه قال " لحماس " ما مالك يا " حماس " فقال ضأن وأدم قال قومها وأد الزكاة من قيمتها .
والدليل على اعتبار الحول " قوله A لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ثم معنى النماء مطلوب في أموال التجارة في قيمتها كما أنه مطلوب في السوائم من عينها وكما يتجدد وجوب الزكاة في السوائم باعتبار كل حول يتجدد النماء بمضيه فكذلك في مال التجارة ويعتبر أن .
صفحة [ 191 ] تكون قيمتها نصابا في أول الحول وآخره كما في السوائم عندنا .
وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - المعتبر كمال النصاب آخر الحول فقط .
وقد بينا هذا قال في الكتاب ويقومها يوم حال الحول عليها إن شاء بالدراهم وإن شاء بالدنانير وعن " أبي حنيفة " - C تعالى - في الأمالي أن يقومها بأنفع النقدين للفقراء . وعن " أبي يوسف " - C تعالى - أنه يقومها بما اشتراها إن كان اشتراها بأحد النقدين فيقومها به وإن كان اشتراها بغير نقود قومها بالنقد الغالب في البلد وعن " محمد " - C تعالى - أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال .
وجه قول " محمد " - رحمه لله تعالى - أن التقويم في حق الله تعالى معتبر بالتقويم في حق العباد ومتى وقعت الحاجة إلى تقويم المغصوب والمستهلك يقوم بالنقد الغالب في البلد فهذا مثله و " أبو يوسف " يقول البدل معتبر بأصله فإن كان اشترى بأحد النقدين فتقويمه بما هو أصله أولى .
وجه قول " أبي حنيفة " أن المال كان في يد المالك وهو المنتفع به في زمان طويل فلا بد اعتبار منفعة الفقراء عند التقويم لأداء الزكاة فيقومها بأنفع النقدين . ألا ترى أنه لو كان بتقويمه بأحد النقدين يتم النصاب وبالآخر لا يتم فإنه يقوم بما يتم به النصاب لمنفعة الفقراء فهذا مثله .
وجه رواية الكتاب أن وجوب الزكاة في عروض التجارة باعتبار ماليتها دون أعيانها والتقويم لمعرفة مقدار المالية والنقدان في ذلك على السواء فكان الخيار إلى صاحب المال يقومها بأيهما شاء ألا ترى أن في السوائم عند الكثرة وهو ما إذا بلغت الإبل مائتين الخيار إلى صاحب المال إن شاء أدى أربع حقاق وإن شاء أدى خمس بنات لبون فهذا مثله ثم وجوب الزكاة عندنا في عين مال التجارة باعتبار قيمتها .
وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - الوجوب في قيمتها لأن النصاب معتبر بالقيمة فعرفنا أن الواجب فيها .
ولنا أن الواجب في ملكه وملكه العين فكان الواجب باعتبار صفة المالية .
قال : وما كان من الدراهم والدنانير والذهب والفضة تبرا مكسورا أو حليا مصوغا أو حلية سيف أو منطقة أو غير ذلك ففي جميعه الزكاة إذا بلغ الذهب عشرين مثقالا أو من الفضة مائتي درهم نوى به التجارة أو لم ينو . والأصل فيه قوله تعالى : { " والذين يكنزون الذهب والفضة " } التوبة : 34 " ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " والكنز اسم لمال مدفون لا يراد به التجارة وقد ألحق الله الوعيد بمانعي الزكاة منها فذلك دليل على وجوب الزكاة فيها بدون نية التجارة ثم سائر الأموال مخلوقة للابتذال والانتفاع بأعيانها فلا تصير معدة للنماء إلا بفعل من العباد من إسامة أو تجارة . وأما الذهب .
صفحة [ 192 ] والفضة فخلقا جوهرين للأثمان لمنفعة التقلب والتصرف معدة للنماء على أي صفة كانت فتجب الزكاة فيها .
قال : والحلى عندنا نصاب للزكاة سواء كان للرجال أو للنساء مصوغا صياغة تحل أو لا تحل . و " للشافعي " - C تعالى - في حلى النساء قولان : .
في أحد القولين لا شيء فيه وهو مروي عن " عمر " و " عائشة " - رحمهما الله تعالى - قال إنه مبتذل في مباح فلا يكون مال الزكاة كمال البذلة بخلاف حلي الرجال فإنه مبتذل في محظور وهذا لأن الحظر شرعا يسقط اعتبار الصنعة والابتذال حكما فيكون مال الزكاة بخلاف ما إذا كان مباحا شرعا وهو نظير ذهاب العقل يسقط اعتباره شرعا بخلاف ذهاب العقل بسبب شرب دواء فإنه لا يسقط اعتباره شرعا .
ولنا " حديث " عبدالله بن عمرو بن العاص " أن رسول الله A رأى امرأتين تطوفان بالبيت وعليهما سواران من ذهب فقال أتؤديان زكاتهما فقالتا لا فقال رسول الله A أتحبان أن يسوركما الله يسوارين من نار فقالتا لا فقال A : أديا زكاتهما " والمراد الزكاة دون الإعارة لأنه ألحق الوعيد بهما وذلك لا بكون إلا بترك الواجب والإعارة ليست بواجبة .
وفي حديث " أم سلمة " أنها كانت تلبس أوضاحا لها من ذهب فسألت رسول الله A أكنز هي فقال إن أديت منها الزكاة فليست بكنز والمعنى فيه أن الزكاة حكم تعلق بعين الذهب والفضة فلا يسقط بالصنعة كحكم التقابض في المجلس عند بيع أحدهما بالآخر وجريان الربا وبيان الوصف أن صاحب الشرع ما اعتبر في الذهب والفضة مع اسم العين وصفا آخر لإيجاب الزكاة فعلى أي وجه أمسكهما المالك للنفقة أو لغير النفقة تجب عليه الزكاة ولو كان للابتذال فيهما عبرة لم يفترق الحال بين أن يكون محظورا أو مباحا كما في السوائم إذا جعلها حمولة ثم الابتذال ها هنا لمقصود الحمل زائد لا يتعلق به حياة النفس أو المال فلا تنعدم به صفة التنمية الثابتة لهذين الجوهرين باعتبار الأصل .
قال : وإن كان له عشرة مثاقيل ذهب ومائة درهم ضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب عندنا وعلى قول " الشافعي " - C تعالى - لا يضم أحدهما إلى الآخر بل يعتبر كمال النصاب من كل واحد منهما على حدة لأنهما جنسان مختلفان فلا يضم أحدهما إلى الآخر ليكمل النصاب كالسوائم وبيان الوصف من حيث الحقيقة غير مشكل ومن حيث المعنى أنه لا يجري بينهما ربا الفضل .
ولنا " حديث " بكير بن عبدالله بن الأشج " - Bه - قال من السنة أن يضم الذهب إلى الفضة لإيجاب الزكاة " ومطلق السنة ينصرف إلى .
صفحة [ 193 ] سنة رسول الله A ولأنهما مالان يكمل نصاب أحدهما بما يكمل به نصاب الآخر فيكمل نصاب أحدهما بالآخر كالسود مع البيض والنيسابوري من الدنانير مع الهروي وبيان الوصف أن نصاب كل واحد منها يكمل بمال التجارة وهذا لأنهما وإن كانا جنسين مختلفين صورة ففي حكم الزكاة هما جنس واحد حتى يتفق الواجب فيهما فيتقدر بربع العشر على كل حال ووجوب الزكاة فيهما باعتبار معنى واحد وهو المالية القائمة باعتبار أصلهما فإذا وجبت الزكاة عند ضم أحدهما إلى الآخر اختلفت الرواية فيما يؤدى فروى " الحسن بن أبي مالك " عن " أبي يوسف " عن " أبي حنيفة " - رحمهما الله تعالى - أنه يؤدي من مائة درهم درهمين ونصفا ومن عشرة مثاقيل ذهب ربع مثقال وهو إحدى الروايتين عن " أبي يوسف " - C تعالى - ووجهه أنه أقرب إلى المعادلة والنظر من الجانبين وعن " أبي يوسف " - C تعالى - في رواية أخرى أنه يقوم أحدهما بالآخر ثم يؤدي الزكاة من نوع واحد وهذا أقرب إلى موافقة نصوص الزكوات .
ثم اختلفوا في كيفية الضم فقال " أبو حنيفة " - C تعالى - يضم أحدهما إلى الآخر باعتبار القيمة .
وقال " أبو يوسف " و " محمد " باعتبار الأجزاء وهو إحدى الروايتين عن " أبي حنيفة " - C تعالى - ذكره في نوادر " هشام " - C تعالى - . وبيان ذلك أنه إذا كان له مائة درهم وخمسة مثاقيل ذهب تساوي مائة درهم أو خمسون درهما وعشرة مثاقيل ذهب تساوي مائة وخمسين درهما فعند " أبي حنيفة " - C تعالى - يضم أحدهما إلى الآخر وتجب الزكاة وعندهما يضم باعتبار الأجزاء وقد ملك نصف نصاب أحدهما وربع نصاب الآخر فلا يجب فيهما شيء ثم عند " أبي حنيفة " - C تعالى - يعتبر في التقويم منفعة الفقراء كما هو أصله حتى روي عنه أنه إذا كان للرجل مائة وخمسة وتسعون درهما ودينار يساوي خمسة دراهم أنه تجب الزكاة وذلك بأن يقوم الذهب بالفضة . وجه قولهما أن التقويم في النقود ساقط الاعتبار كما في حقوق العباد فإن سائر الأشياء تقوم بها ألا ترى أن من ملك أبريق فضة وزنه مائة وخمسون وقيمته مائتا درهم لا يجب فيه الزكاة ولو كان للتقويم عبرة في باب الزكاة من الذهب والفضة لوجبت الزكاة ههنا و " أبو حنيفة " C تعالى يقول هما عينان وجب ضم أحدهما إلى الآخر لإيجاب الزكاة فكان الضم باعتبار القيمة كعروض التجارة وهذا لأن كمال النصاب لا يكون إلا عند اتحاد الجنس وذلك لا يكون إلا باعتبار صفة المالية دون العين فإن الأموال أجناس باعتبار أعيانها جنس واحد .
صفحة [ 194 ] باعتبار صفة المالية فيها وهذا بخلاف الإبريق فإنه ما وجب ضمه إلى شيء آخر حتى تعتبر فيه القيمة وهذا لأن القيمة في الذهب والفضة إنما تظهر شرعا عند مقابلة أحدهما بالآخر فإن الجودة والصنعة لا قيمة لها إذا قوبلت بجنسها لقوله A جيدها ورديئها سواء فأما عند مقابلة أحدهما بالآخر فيظهر للجودة قيمة . ألا ترى أنه متى وقعت الحاجة إلى تقويم الذهب والفضة في حقوق العباد يقوم بخلاف جنسه فكذا في حقوق الله تعالى وجميع ما ذكرنا في نصاب الذهب والفضة المعتبر فيهما الوزن دون العدد لأن في النص ذكر الدرهم والدينار وهو يشتمل على ما لا يعلم إلا بالوزن من الدوانيق والحبات والمعتبر في الدنانير وزن المثقال وفي الدراهم وزن سبعة وهو أن يكون كل عشرة منها بوزن سبعة مثاقيل وهو الوزن المعروف في الدراهم في غالب البلدان وأصله وهو أنه كان في الجاهلية نوعان من الدراهم . يقال لهما مثاقيل وخفاف فلما أرادوا في الإسلام ضرب الدراهم جمعوا أحدهما إلى الآخر وجعلوه درهمين فكان وزن سبعة ولم يبين في الكتاب صفة الدراهم وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " - رحمهما الله تعالى - أن الزكاة تجب في الجياد من الدراهم والزيوف والنبهرجة والمكحلة والمزيفة قال : لأن الغالب في كلها الفضة وما يغلب فضته على غشه يتناوله اسم الدراهم مطلقا أما في الستوقة وهو ما يغلب غشه على فضته نظر إلى ما يخلص منه من الفضة فإن بلغ وزنه مائتي درهم تجب فيها الزكاة وإلا فلا ومراده إذا لم تكن للتجارة فإن كانت تلك الدراهم للتجارة فالعبرة بقيمتها كما في عروض التجارة وقد ذكر في روايته في الفلوس والدراهم المضروبة من الصفر إذا كان لا يخلص منها فضة فإن لم تكن للتجارة فلا شيء فيها وإن كانت للتجارة فإن بلغت قيمتها مائتي درهم مما يغلب فيها الفضة ففيها الزكاة وكان الشيخ الإمام " أبو بكر محمد بن الفضل البخاري " - C تعالى - يفتي بوجوب الزكاة في المائتين من الدراهم الغطريفية عددا وكان يقول هي من أعز النقود فينا بمنزلة الفضة فيهم ونحن أعرف بنقودنا وهو اختيار شيخنا " الإمام الحلواني " - C تعالى - وهو الصحيح عندي .
قال : رجل له على رجل ألف درهم قرض أو ثمن متاع كان للتجارة فحال الحول ووجبت الزكاة عليه لا يلزمه الأداء قبل القبض عندنا وقال " الشافعي " - C تعالى - يلزمه الأداء لأن صيرورة المال دينا كان بتصرفه واختياره وذلك غير معتبر في تأخير حق الفقراء فإنه كما لا يملك إبطال حقهم لا يملك التأخير ولأن هذا مال مملوك كالعين .
ولنا أن .
( يتبع . . . )