( تابع . . . 2 ) : قال : يبدأ في غسل الجنابة بيديه فيغسلهما ثم يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه .
وعند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله هو نجس فكان مفسدا للماء والبئر والإناء فيه سواء وعلى قول " أبي حنيفة " C تعالى لا يجوز شربه للتداوي وغيره " لقوله A إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " .
وعند " محمد " يجوز شربه للتداوي وغيره لأنه طاهر عنده .
وعند " أبي يوسف " يجوز شربه للتداوى لا غير عملا بحديث العرنيين ولا يجوز لغيره .
ولو أصاب الثوب لم ينجسه عند " محمد " C تعالى حتى تجوز الصلاة فيه وإن امتلأ الثوب منه .
وعلى .
صفحة [ 55 ] قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى ينجس الثوب إلا أنه يجوز الصلاة فيه ما لم يكن كثيرا فاحشا لأنه مختلف في نجاسته وفيه بلوى لمن يعالجها فخفت نجاسته لهذين المعنيين فكان التقدير بالكثير الفاحش .
وقال " أبو حنيفة " C تعالى الكثير الفاحش في الثوب الربع فصاعدا .
قيل : أراد به ربع الموضع الذي أصابه من ذيل أو غيره .
وقيل : أراد به ربع جميع الثوب وهو الصحيح وهذا لأن الربع ينزل منزلة الكمال بدليل أن المسح بربع الرأس كالمسح بجميعه .
وعن " أبي يوسف " في روايته الكثير الفاحش شبر في شبر .
وفي رواية ذراع في ذراع .
وعن " محمد " C تعالى فيما يقدر الكثير الفاحش على قوله كالأرواث وغيره أنه قدر موضع القدمين وهذا قريب من شبر في شبر .
ويستحب للرجل حين يبتدئ الوضوء أن يقول بسم الله وإن لم يقل أجزأه وعلى قول أصحاب الظواهر التسمية من الأركان لا يجوز الوضوء إلا بها " لقوله E لا وضوء لمن لم يسم " وعندنا التسمية من سنن الوضوء لا من أركانه فإن الله تعالى بين أركان الوضوء بقوله : { " فاغسلوا وجوهكم " } المائد : 6 الآية ولم يذكر التسمية وعلم رسول الله A الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية فتبين بهذا أن المراد من " قوله E لا وضوء لمن لم يسم " نفي الكمال لا نفي الجواز كما قال في حديث آخر من توضأ وسمى كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يسم كان طهورا لأعضاء وضوئه وفي الحديث المعروف " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أقطع " أي ناقص غير كامل وهذا بخلاف التسمية على الذبيحة فإنا أمرنا بها إظهارا لمخالفة المشركين لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح فكان الترك مفسدا وهنا أمرنا بالتسمية تكميلا للثواب لا مخالفة للمشركين فإنهم كانوا لا يتوضؤن فلم يكن الترك مفسدا لهذا .
قال : وإن بدأ في وضوئه بذراعيه قبل وجهه أو رجليه قبل رأسه أجزأه عندنا ولم يجزه عند " الشافعي " Bه فإن الترتيب في الوضوء عندنا سنة وعنده من الأركان واستدل بقوله تعالى : " فاغسلوا وجوهكم " المائدة : 6 الآية والفاء للوصل والترتيب فظاهره يقتضي أنه يلزمه وصل غسل الوجه بالقيام إلى الصلاة ولا يجوز تقديم غيره عليه ثم إن الله تعالى عطف البعض على البعض بحرف الواو وذلك موجب للترتيب كما في قوله تعالى : " اركعوا واسجدوا " الحج : 77 و " لما سئل رسول الله A عن السعى بين " الصفا " و " المروة " بأيهما نبدأ فقال : ابدؤا بما بدأ الله تعالى به " فدل على أن الواو للترتيب و " قال عليه .
صفحة [ 56 ] الصلاة والسلام لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعة فيغسل وجهه ثم يديه " ولا شك أن حرف ثم للترتيب .
ولنا ما ذكره " " أبو داود " C تعالى في سننه أن النبي A تيمم فبدأ بذراعيه ثم بوجهه " والخلاف فيهما واحد . و " روى أنه A نسى مسح رأسه في وضوئه فتذكر بعد فراغه فمسحه ببلل في كفه " ولأن الركن تطهير الأعضاء وذلك حاصل بدون الترتيب ألا ترى أنه لو انغمس في الماء بنية الوضوء أجزأه ولم يوجد الترتيب ومواظبة النبي A على الترتيب في الوضوء لا تدل على أنه ركن فقد كان يواظب على السنن كما واظب على المضمضة والإستنشاق وأهل اللغة اتفقوا على أن الواو للعطف مطلقا من غير أن تقتضي جمعا ولاترتيبا فإن الرجل إذا قال جاءني " زيد " و " عمرو " كان إخبارا عن مجيئهما من غير ترتيب في المجيء قال الله تعالى : " وأسجدي واركعى مع الراكعين " آل عمران : 43 فلا يدل ذلك على ترتيب الركوع على السجود وكذلك في الآية أمر بغسل الأعضاء لا بالترتيب في الغسل ألا ترى أن ثبوت الحدث في الأعضاء لا يكون مرتبا فكذلك زواله والحديث محمول على صفة الكمال وبه نقول : .
وإن غسل بعض أعضائه وترك البعض حتى جف ما قد غسل أجزأه لأن الموالاة سنة عندنا وقال " مالك " C تعالى وهو أحد قولي " الشافعي " C تعالى الموالاة ركن فلا يجزئه تركه لأن النبي A واظب على الموالاة فلو جاز تركه لفعله مرة تعليما للجواز .
وقال " ابن أبي ليلى " إن كان في طلب الماء أجزأه لأن ذلك من عمل الوضوء فإن كان أخذ في عمل غير ذلك وجف وجب علينا إعادة ما جف وجعله قياس أعمال الصلاة إذا اشتغل في خلالها بعمل آخر .
ولنا ما بينا أن المقصود تطهير الأعضاء وذلك حاصل بدون الموالاة والمنصوص عليه في الكتاب غسل الأعضاء فلو شرطنا الموالاة كان زيادة على النص وقد بينا أن مواظبة رسول الله A قد تكون لبيان السنة وأفعال الصلاة تؤدي بناء على التحريمة والاشتغال بعمل آخر مبطل للتحريمة فكان مفسدا بخلاف الوضوء فإن أركان الوضوء لا تنبنى على التحريمة حتى لم يكن الكلام في الوضوء مفسدا له والله أعلم .
قال ولا يفسد خرء الحمام والعصفور الماء فإنه طاهر عندنا وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه نجس يفسد الماء والثوب والقياس ما قال لأنه مستحيل من غذاء الحيوان إلى فساد لكن استحسنه علماؤنا رحمهم الله تعالى الحديث " ابن .
صفحة [ 57 ] مسعود " رضي الله تعالى عنه أنه خرئت عليه حمامة فمسحه بأصبعه و " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهما ذرق عليه طائر فمسحه بحصاة وصلى ولم يغسله ولأن الحمام تركت في المساجد حتى في المسجد الحرام مع علم الناس بما يكون منها وأصله " حديث " أبي أمامة الباهلي " رضي الله تعالى عنه أن النبي A شكر الحمامة وقال إنها أوكرت على باب الغار حتى سلمت " فجازاها الله تعالى بأن جعل المساجد مأواها فهو دليل على طهارة ما يكون منها . قال : وخرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور ذكر في الجامع الصغير أنه تجوز الصلاة فيه وإن كان أكثر من قدر الدرهم في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى وعند " محمد " C تعالى لا يجوز بمنزلة خرء ما لا يؤكل لحمه من السباع والمعنى أنه مستحيل من غذائه إلى فساد .
واختلف مشايخنا رحمهم الله على قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى .
فمنهم من قال : هو نجس عندهما لكن التقدير فيه بالكثير الفاحش لمعنى البلوى .
والاصح أنه طاهر عندهما فإن الخرء لا فرق فيه بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم في النجاسة ثم خرء ما يؤكل لحمه من الطيور طاهر فكذلك ما لا يؤكل لحمه . قال : وبول الخفافيش لا يفسد الماء لأنه لا يستطاع الإمتناع منه ولا يستقذره الناس عادة ويفسده خرء الدجاج لأنه أشبه الأشياء بالعذرة لونا ورائحة فكان نجسا نجاسة غليظة . قال : وموت الضفدع والسمك والسرطان في الماء لا يفسده لوجهين : .
أحدهما : أن الماء معدنه والشيء إذا مات في معدنه لا يعطي له حكم النجاسة كمن صلى وفي كمه بيضة مذرة حال محها دما تجوز صلاته وهذا لأن التحرز عن موته في الماء غير ممكن .
والثاني : أنه ليس لهذه الحيوانات دم سائل فإن ما يسيل منها إذا شمس ابيض والدم إذا شمس اسود وهذا الحرف أصح لأنه كما لا يفسد الماء بموت هذه الحيوانات فيه لا يفسد غير الماء كالخل والعصير ويستوي إن تقطع أو لم يتقطع إلا على قول " أبي يوسف " C فإنه يقول إذا تقطع في الماء أفسده بناء على قوله إن دمه نجس وهو ضعيف فإنه لا دم في السمك إنما هو ماء آجن ولو كان فيه دم فهو مأكول فلا يكون نجسا كالكبد والطحال .
وأشار " الطحاوي " C إلى أن الطافي من السمك يفسد الماء وهو غلط منه فليس في الطافي أكثر من أنه مأكول فهو كالضفدع والسرطان .
وعن " محمد " C تعالى قال الضفدع إذا تفتت في الماء كرهت شربه لا لنجاسته ولكن لأن أجزاء الضفدع فيه والضفدع غير مأكول وإذا ماتت الفأرة .
صفحة [ 58 ] في البئر فاستخرجت حين ماتت نزح من البئر عشرون دلوا وإن ماتت في جب أريق الماء وغسل الجب لأنه تنجس بموت الفأرة فيه والقياس في البئر أحد شيئين : .
أما ما قاله " بشر " C أنه يطم رأس البئر ويحفر في موضع آخر لأنه وإن نزح ما فيها من الماء يبقى الطين والحجارة نجسا ولا يمكن كبه ليغسل فيطم .
وأما ما نقل عن " محمد " C تعالى قال اجتمع رأيي ورأي " أبي يوسف " C تعالى أن ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فلا يتنجس بوقوع النجاسة فيه كحوض الحمام إذا كان يصب فيه من جانب ويؤخذ من جانب لم يتنجس بإدخال يد نجسه فيه .
ثم قلنا وما علينا لو أمرنا بنزح بعض الدلاء ولا نخالف السلف وتركنا القياس لحديث " علي " رضي الله تعالى عنه قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها دلاء وفي رواية سبع دلاء . وفي حديث " أبي سعيد الخدري " رضي الله تعالى عنه قال في الدجاجة تموت في البئر ينزح منها أربعون دلوا .
ولنا حديث " النخعي " و " الشعبي " في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون دلوا . و " روي عن " أنس بن مالك " رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال في الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون دلوا " ولكنه شاذ . وعن " ابن عباس " و " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهم في الزنجي الذي وقع في بئر زمزم فمات أنهما أمرا بنزح جميع الماء .
ثم في الأصل جعله على ثلاث مراتب في الفأرة عشرون دلوا وفي السنور والدجاجة أربعون دلوا وفي الشاة والآدمي جميع الماء .
وفي رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى جعله على خمس درجات في الجلة والفأرة الصغيرة عشر دلاء وفي الفأرة الكبيرة عشرون دلوا وفي الحمامة ثلاثون دلوا وفي الدجاجة أربعون دلوا وفي الشاة والآدمي جميع الماء وهذا لأنه إنما يتنجس من الماء ما جاوز النجاسة والفأرة تكون في وجه الماء فإذا نزح عشرون دلوا فالظاهر أنه نزح جميع ما جاوز الفأرة فما بقي يبقى طاهرا والدجاجة تغوص في الماء أكثر مما تغوص الفأرة فيتضاعف النزح لهذا والشاة والآدمي يغوص إلى قعر الماء فيموت ثم يطفو فلهذا نزح جميع الماء وهذا إذا لم يتفسخ شيء من هذه الحيوانات فإن انتفخ أو تفسخ نزح جميع الماء الفأرة وغيرها فيه سواء لأنه ينفصل منها بلة نجسة وتلك البلة نجاسة مائعة بمنزلة قطرة من خمر أو بول تقع في البئر ولهذا قال " محمد " C تعالى : إذا وقع في البئر ذنب فأرة ينزح جميع الماء لأن موضع القطع فيه لا ينفك عن نجاسة مائعة بخلاف الفأرة فإن غلبهم الماء في موضع وجب نزح جميع الماء .
فالمروي .
صفحة [ 59 ] عن " أبي حنيفة " C تعالى أنه إذا نزح منها مائة دلو يكفي وهو بناء على آبار " الكوفة " لقلة الماء فيها .
وعن " محمد " C تعالى في النوادر أنه ينزح منها ثلاثمائة دلو أو مائتا دلو وإنما أجاب بهذا بناء على كثرة الماء في آبار " بغداد " .
وقال " أبو يوسف " C تعالى : ينزح قد