( تابع . . . 1 ) : قال : وإذا انتهى الرجل إلى الإمام وقد سبقه بركعتين وهو قاعد يكبر .
قال : ويجوز إمامه الأعمى والأعرابي والعبد وولد الزنا والفاسق وغيرهم أحب إلي والأصل فيه أن مكان الإمامة ميراث من النبي A فإنه أول من تقدم للإمامة فيختار له من يكون أشبه به خلقا وخلقا ثم هو مكان استنبط منه الخلافة فإن النبي A لما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالت الصحابة بعد موته أنه اختار أبا بكر لأمر دينكم فهو المختار لأمر دنياكم فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس .
وتكثير الجماعة مندوب إليه " قال E صلاة الرجل مع اثنين خير من صلاته وحده وصلاته مع الثلاثة خير من صلاته مع اثنين وكلما كثرت الجماعة فهو عند الله أفضل " وفي تقديم المعظم تكثير الجماعة فكان أولى .
إذا ثبت هذا فنقول تقديم الفاسق للإمامة جائز عندنا ويكره .
وقال " مالك " رضي الله تعالى عنه لا تجوز الصلاة خلف الفاسق لأنه لما ظهرت منه الخيانة في الأمور الدينية فلا يؤتمن في أهم الأمور ألا ترى أن الشرع أسقط شهادته لكونها أمانة .
ولنا " حديث مكحول أن النبي A قال : الجهاد مع كل أمير والصلاة خلف كل إمام والصلاة على كل ميت " و " قال A صلوا خلف كل بر وفاجر " ولأن الصحابة والتابعين كانوا لا يمتنعون من الإقتداء بالحجاج في صلاة الجمعة وغيرها مع أنه كان أفسق أهل زمانه حتى قال " الحسن " C تعالى لو جاء كل أمة بخبيثاتها ونحن جئنا ب " أبي محمد " لغلبناهم وإنما يكره لأن في تقديمه تقليل الجماعة وقلما يرغب الناس في الإقتداء به .
وقال " أبو يوسف " في .
صفحة [ 41 ] الأمالي أكره أن يكون الإمام صاحب هوى أو بدعة لأن الناس لا يرغبون في الإقتداء به وإنما جاز إمامة الأعمى " لأن النبي A استخلف " ابن أم مكتوم " على المدينة مرة و " عتبان بن مالك " مرة وكانا أعميين " والبصير أولى لأنه قيل " لابن عباس " رضي الله تعالى عنهما بعدما كف بصره ألا تؤمهم قال كيف أؤمهم وهم يسوونني إلى القبلة .
ولأن الأعمي قد لا يمكنه أن يصون ثيابه عن النجاسات فالبصير أولى بالإمامة .
وأما جواز إمامة الأعرابي فإن الله تعالى أثنى على بعض الأعراب بقوله : " { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله " } التوبة : 99 الآية وغيره أولى لأن الجهل عليهم غالب والتقوى فيهم نادرة وقد ذم الله تعالى بعض الأعراب بقوله تعالى : " الأعراب أشد كفرا ونفاقا " التوبة : 97 وأما العبد فجواز إمامته لحديث " أبي سعيد " مولى " أبي أسيد " قال : عرست وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله A فيهم " أبو ذر " فحضرت الصلاة فقدموني فصليت بهم وغيره أولى لأن الناس قلما يرغبون في الإقتداء بالعبيد والجهل عليهم غالب لاشتغالهم بخدمة المولى عن تعلم الأحكام والتقوى فيهم نادرة وكذلك ولد الزنا فإنه لم يكن له أب يفقهه فالجهل عليه غالب والذي " روى عن النبي A قال : ولد الزنا شر الثلاثة " فقد روت " عائشة " رضي الله تعالى عنها هذا الحديث وقالت كيف يصح هذا وقد قال الله تعالى : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ثم المراد شر الثلاثة نسبا أو قاله في ولد زنا بعينه نشأ مرتدا فأما من كان منهم مؤمنا فالإقتداء به صحيح قال : ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة وأفضلهم ورعا وأكبرهم سنا " لحديث " أبي مسعود " رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا سواء فأكبرهم سنا وأفضلهم ورعا " وزاد في حديث " عائشة " رضي الله تعالى عنها " فإن كانوا سواء فأحسنهم وجها " فبعض مشايخنا اعتمدوا ظاهر الحديث وقالوا من يكون أقرأ لكتاب الله تعالى يقدم في الإمامة لأن النبي A بدأ به و " قال النبي A أهل القرآن هم أهل الله وخاصته " .
والأصح أن الأعلم بالسنة إذا كان يعلم من القرآن مقدار ما تجوز به الصلاة فهو أولى لأن القراءة يحتاج إليها في ركن واحد والعلم يحتاج وإليه في جميع الصلاة والخطأ المفسد للصلاة في القراءة لا يعرف إلا بالعلم وإنما قدم .
صفحة [ 42 ] الأقرأ في الحديث لأنهم كانوا في ذلك الوقت يتعلمون القرآن بأحكامه على ما روي أن " عمر " رضي الله تعالى عنه حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة فالأقرأ منهم يكون أعلم فأما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرا في القرآن ولا حظ له في العلم فالأعلم بالسنة أولى إلا أن يكون ممن يطعن عليه في دينه فحينئذ لا يقدم لأن الناس لا يرغبون في الإقتداء به .
فإن استووا في العلم بالسنة فأفضلهم ورعا " لقوله A من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي " و " قال A ملاك دينكم الورع " .
وفي " الحديث يقدم أقدمهم هجرة " لأنها كانت فريضة يومئذ ثم انتسخ " بقوله A لا هجرة بعد الفتح " .
ولأن أقدمهم هجرة يكون أعلمهم بالسنة لأنهم كانوا يهاجرون لتعلم الأحكام .
فإن كانوا سواء فأكبرهم سنا " لقوله A الكبر الكبر " .
ولأن أكبرهم سنا يكون أعظمهم حرمة عادة ورغبة الناس في الإقتداء به أكثر .
والذي قال في حديث " عائشة " Bها فإن كانوا سواء فأحسنهم وجها .
قيل معناه : أكثرهم خبرة بالأمور كما يقال وجه هذا الأمر كذا وإن حمل على ظاهره فالمراد منه أكثرهم صلاة بالليل جاء في " الحديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " .
قال : ويكره للرجل أن يؤم الرجل في بيته إلا بإذنه " لقوله A لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه " ولأن في التقدم عليه ازدراء به بين عشيرته وأقاربه وذلك لا يليق بحسن الخلق إلا أن يكون الضيف سلطانا فحق الإمامة له حيث يكون وليس للغير أن يتقدم عليه إلا بإذنه وإذا كان مع الإمام رجلان فإنه يتقدم الإمام ويصلي بهما لأن للمثنى حكم الجماعة " قال A الإثنان فما فوقهما جماعة " .
وكذلك معنى الجمع من الإجتماع وذلك حاصل بالمثنى .
والذي روي أن " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه صلى " بعلقمة " و " الأسود " في بيت واحد فقام في وسطهما قال " إبراهيم النخعي " C كان ذلك لضيق البيت .
والأصح أن هذا كان مذهب " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه ولهذا قال في الكتاب وإن لم يتقدم الإمام وصلى بهما فصلاتهم تامة لأن فعلهم حصل في موضع الإجتهاد وأقل الجمع المتفق عليه ثلاثة والتقدم للإمامة من سنة الجماعة ولهذا قال " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى في صلاة الجمعة النصاب ثلاثة سوى الإمام وإن كان القوم كثيرا فقام الإمام وسطهم أو في ميمنة الصف أو في ميسرة الصف فقد أساء الإمام وصلاتهم .
صفحة [ 43 ] تامة أما جواز الصلاة فلأن المفسد تقدم القوم على الإمام ولم يوجد وأما الكراهة فلأن النبي A تقدم للإمامة بأصحابه رضوان الله عليهم وواظب على ذلك والإعراض عن سنته مكروه ولأن مقام الإمام في وسط الصف يشبه جماعة النساء ويكره للرجال التشبه بهن وإن تقدم المقتدي على الإمام لا يصح اقتداؤه به إلا على قول " مالك " C تعالى فإنه يقول الواجب عليه المتابعة في الأفعال فإذا أتي به لم يضره قيامه قدام الإمام ولنا " الحديث ليس مع الإمام من يقدمه " ولأنه إذا تقدم على الإمام اشتبه عليه حالة افتتاحه واحتاج إلى النظر وراءه في كل وقت ليقتدي به فلهذا لا يجوز .
فإن كان مع الإمام واحد وقف على يمين الإمام " لحديث " ابن عباس " رضي الله تعالى عنهما قال بت عند خالتي " ميمونة " رضي الله تعالى عنها لأراقب صلاة النبي A بالليل فانتبه فقال نامت العيون وغارت النجوم وبقي الحي القيوم ثم قرأ آخر سورة آل عمران إن في خلق السموات والأرض إلى آخر الآية ثم قام إلى شن ماء معلق فتوضأ وافتتح الصلاة فقمت وتوضأت ووقفت على يساره فأخذ بأذني وأدارني خلفه حتى أقامني عن يمينه فعدت إلى مكاني فأعادني ثانيا وثالثا فلما فرغ قال ما منعك يا غلام أن تثبت في الموضع الذي أوقفتك قلت أنت رسول الله ولا ينبغي لأحد أن يساويك في الموقف فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " .
فإعادة رسول الله A إياه إلى الجانب الأيمن دليل على أنه هو المختار إذا كان مع الإمام رجل واحد .
وفي ظاهر الرواية لا يتأخر المقتدي عن الإمام وعن " محمد " C تعالى قال ينبغي أن تكون أصابعه عند عقب الإمام وهو الذي وقع عند العوام وإن كان المقتدي أطول فكان سجوده قدام الإمام لم يضره لأن العبرة بموضع الوقوف لا بموضع السجود كما لو وقف في الصف ووقع في سجوده أمام الإمام لطوله وإن صلى خلفه امرأة جازت صلاته " لحديث " أنس " Bه أن جدته " مليكة " رضي الله تعال عنها دعت رسول الله A إلى طعام فقال قوموا لأصلي بكم فأقامني واليتيم من ورائه وأمي " أم سليم " وراءنا وصلاة الصبي تخلق فبقي " أنس " رضي الله تعالى عنه واقفا خلفه وحده و " أم سليم " وقفت خلف الصبي وحدها " . وفي الحديث دليل على أنه إذا كان مع الإمام اثنان يتقدمهما الإمام ويصطفان خلفه .
قال : وكذلك إن وقف على يسار الإمام لأن " ابن عباس " رضي الله تعالى عنهما وقف في الإبتداء عن يساره واقتدى .
صفحة [ 44 ] به ثم جواز اقتدائه به وفي الإدارة حصل خلفه فدل أن شيئا من ذلك غير مفسد . قال : وهو مسيء من أصحابنا من قال هذه الإساءة إذا وقف عن يسار الإمام لا خلفه لأن الواقف خلفه أحد الجانبين منه على يمينه فلا يتم إعراضه عن السنة بخلاف الواقف على يساره والأصح أن جواب الإساءة في الفصلين جميعا لأنه عطف أحدهما على الآخر بقوله وكذلك والله سبحانه وتعالى أعلم