قال : وإذا انتهى الرجل إلى الإمام وقد سبقه بركعتين وهو قاعد يكبر تكبيرة الإفتتاح ليدخل بها في صلاته ثم كبر أخرى ويقعد بها لأنه التزم متابعة الإمام وهو قاعد والانتقال من القيام إلى القعود يكون بالتكبير .
والحاصل أنه يبدأ بما أدرك مع الإمام " لقوله A إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " . وكان الحكم في الابتداء أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته حتى أن " معاذا " Bه جاء يوما وقد سبقه النبي A ببعض الصلاة فتابعه فيما بقي ثم قضى ما فاته " فقال E : ما حملك على ما صنعت يا " معاذ " فقال : وجدتك على حال فكرهت أن أخالفك عليه فقال E سن لكم " معاذ " سنة حسنة فاستنوا بها " . ثم لا خلاف أن المسبوق يتابع الإمام في التشهد ولا يقوم للقضاء حتى يسلم الإمام .
وتكلموا أن بعد الفراغ من التشهد ماذا يصنع فكان " ابن شجاع " C يقول يكرر التشهد و " أبو بكر الرازي " يقول يسكت لأن الدعاء مؤخر إلى آخر الصلاة والأصح أنه يأتي بالدعاء متابعة للإمام لأن المصلي إنما لا يشتغل بالدعاء في خلال الصلاة لما فيه من تأخير الأركان وهذا المعنى لا يوجد هنا لأنه لا يمكنه أن يقوم قبل سلام الإمام .
ويجوز افتتاح الصلاة بالتسبيح والتهليل والتحميد في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله .
وفي قول " أبي يوسف " C إذا كان يحسن التكبير ويعلم أن الصلاة تفتتح بالتكبير لا يصير شارعا بغيره وإن كان لا يحسنه أجزأه .
وألفاظ التكبير عنده أربعة الله أكبر الله الأكبر .
صفحة [ 36 ] الله الكبير الله كبير .
وعند " الشافعي " رضي الله تعالى عنه لا يصير شارعا إلا بلفظتي الله أكبر الله الأكبر .
وعند " مالك " C لا يصير شارعا إلا بقوله الله أكبر .
واستدل بقوله A لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ويستقبل القبلة ويقول الله أكبر .
وبهذا احتج " الشافعي " ولكنه يقول الله الأكبر أبلغ في الثناء بإدخال الألف واللام فيه فهو أولى .
و " أبو يوسف " استدل " بقوله A وتحريمها التكبي " ر فلا بد من لفظة التكبير وفي العبادات البدنية يعتبر المنصوص عليه ولا يشتغل بالتعليل حتى لا يقام السجود على الخد والذقن مقام السجود على الجبهة والأنف .
والأذان لا ينادى بغير لفظ التكبيرة فالتحريم للصلاة أولى .
و " أبو حنيفة " C و " محمد " رحمه لله استدلا " بحديث " مجاهد " Bه قال كان الأنبياء صلوات الله عليهم يفتتحون الصلاة بلا إله إلا الله " ولأن الركن ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم وهو الثابت بالنص قال الله تعالى : " وذكر اسم ربه فصلى " الأعلى : 15 وإذا قال الله أعظم أو الله أجل فقد وجد ما هو الركن فأما لفظ التكبير وردت به الأخبار فيوجب العمل به حتى يكره افتتاح الصلاة بغيره لمن يحسنه ولكن الركن ما هو الثابت بالنص .
ثم من قال الرحمن أكبر فقد أتى بالتكبير قال الله تعالى : " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " الإسراء : 110 الآية والتكبير بمعنى التعظيم قال الله تعالى : " فلما رأينه أكبرنه " يوسف : 31 أي عظمنه " وربك فكبر " أي فعظم والتعظيم حصل بقوله الله أعظم فأما الأذان فالمقصود منه الإعلام وبتغيير اللفظ يفوت ما هو المقصود فإن الناس لا يعلمون أنه أذان .
فإن قال الله لا يصير شارعا بهذا اللفظ عند " محمد " C لأن تمام التعظيم بذكر الاسم والصفة .
وعند " أبي حنيفة " C يصير شارعا لأن في هذا الاسم معنى التعظيم فإنه مشتق من التأله وهو التحير .
وإن قال اللهم اغفر لي لا يصير شارعا لأن هذا سؤال والسؤال غير الذكر " قال E فيما يأثر عن ربه D من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " فإن قال اللهم فالبصريون من أهل النحو قالوا الميم بدل عن ياء النداء فهو كقولك يا الله فيصير شارعا عند " أبي حنيفة " والكوفيون قالوا الميم بمعنى السؤال أي يا الله آمنا بخير فلا يصير شارعا به .
ولو كبر بالفارسية جاز عند " أبي حنيفة " C بناء على أصله أن المقصود هو الذكر وذلك حاصل بكل لسان .
ولا يجوز عند " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله إلا أن لا يحسن العربية .
فأبو يوسف .
C تعالى مر على أصله في مراعاة المنصوص عليه .
و " محمد " فرق فقال للعربية من الفضيلة .
صفحة [ 37 ] ما ليس لغيرها من الألسنة فإذا عبر إلى لفظ آخر من العربية جاز وإذا عبر إلى الفارسية لا يجوز .
وأصل هذه المسألة إذا قرأ في صلاته بالفارسية جاز عند " أبي حنيفة " C ويكره وعندهما لا يجوز إذا كان يحسن العربية وإذا كان لا يحسنها يجوز .
وعند " الشافعي " Bه لا تجوز القراءة بالفارسية بحال ولكنه إن كان لا يحسن العربية وهو أمي يصلي بغير قراءة وكذلك الخلاف فيما إذا تشهد بالفارسية أو خطب الإمام يوم الجمعة بالفارسية .
فالشافعي .
C يقول : إن الفارسية غير القرآن قال الله تعالى : " إنا جعلناه قرآنا عربيا " الزخرف : 3 وقال الله تعالى : " ولو جعلناه قرآنا أعجميا " فصلت : 44 الآية فالواجب قراءة القرآن فلا يتأدى بغيره بالفارسية والفارسية من كلام الناس فتفسد الصلاة .
و " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله قالا القرآن معجز والإعجاز في النظم والمعنى فإذا قدر عليهما فلا يتأدى الواجب إلا بهما . وإذا عجز عن النظم أتى بما قدر عليه كمن عجز عن الركوع والسجود يصلي بالإيماء .
و " أبو حنيفة " C استدل بما روي أن الفرس كتبوا إلى " سلمان " Bه أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية .
ثم الواجب عليه قراءة المعجز والإعجاز في المعنى فإن القرآن حجة على الناس كافة وعجز الفرس عن الإتيان بمثله إنما يظهر بلسانهم والقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ولا محدث واللغات كلها محدثة فعرفنا أنه لا يجوز أن يقال إنه قرآن بلسان مخصوص كيف وقد قال الله تعالى : " وإنه لفي زبر الأولين " الشعراء : 196 وقد كان بلسانهم . ولو آمن بالفارسية كان مؤمنا وكذلك لو سمى عند الذبح بالفارسية أو لبى بالفارسية فكذلك إذا كبر وقرأ بالفارسية .
وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله أنه إذا أذن بالفارسية والناس يعلمون أنه أذان جاز وإن كانوا لا يعلمون ذلك لم يجز لأن المقصود الإعلام ولم يحصل .
ثم عند " أبي حنيفة " C إنما يجوز إذا قرأ بالفارسية إذا كان يتيقن بأنه معنى العربية فأما إذا صلى بتفسير القرآن لا يجوز لأنه غير مقطوع به .
وإذا افتتح الصلاة قبل الإمام ثم كبر الإمام فصلى الرجل بصلاته لا يجزئه " لقوله E إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " ولائتمام لا يتحقق إذا لم يكبر الإمام وقد اختلف عليه حين كبر قبله فلا يجزئه إلا أن يجدد التكبير بعد تكبير الإمام بنية الدخول في صلاته وحينئذ يصير قاطعا لما كان فيه شارعا في صلاة الإمام والتكبيرة الواحدة تعمل هذين العملين كمن كان في النافلة فكبر ينوي الفريضة .
ومن غير هذا .
صفحة [ 38 ] الباب إذا باع بألف ثم جدد بيعا بألفين كان فسخا للأول وانعقاد عقد آخر .
وأشار في الكتاب إلى أنه بالتكبير قبل تكبير الإمام يصير شارعا في الصلاة لأنه قال تكبيره الثاني قطع لما كان فيه .
فقيل : تأويله إن لم يكن نوى الاقتداء .
وقيل : إن نوى الاقتداء صار شارعا في صلاة نفسه وهو قول " أبي يوسف " C .
وعند " محمد " C لا يصير شارعا في الصلاة .
بناء على أصل وهو أن الجهة إذا فسدت يبقى أصل الصلاة عند " أبي يوسف " C وعند " محمد " لا يبقى .
وعن " أبي حنيفة " C فيه روايتان يأتي بيانه في موضعه .
ثم الأفضل عند " أبي حنيفة " أن يكبر المقتدي مع الإمام لأنه شريكه في الصلاة وحقيقة المشاركة في المقارنة .
وعندهما الأفضل أن يكبر بعد تكبير الإمام لأنه تبع للإمام وظاهر " قوله E إذا كبر الإمام فكبروا " . يشهد لهذا وكذلك سائر الأفعال .
وفي التسليم روايتان عن " أبي حنيفة " C .
إحداهما : أنه يسلم بعد الإمام ليكون تحلله بعد تحلل الإمام .
والأخرى : أنه يسلم مع الإمام كسائر الأفعال وإذا سلم الإمام ففي الفجر والعصر بقعد في مكانه ليشتغل بالدعاء لأنه لا تطوع بعدهما ولكنه ينبغي أن يستقبل القوم بوجهه ولا يجلس كما هو مستقبل القبلة وإن كان خير المجالس ما استقبلت به القبلة للأثر المروى جلوس الإمام في صلاة بعد الفراغ مستقبل القبلة بدعة و " كان A إذا صلى الفجر استقبل أصحابه بوجهه وقال : هل رأى أحد منكم رؤيا فيه بشرى بفتح مكة " ولأنه يفتتن الداخل بجلوسه مستقبل القبلة لأنه يظنه في الصلاة فيقتدي به وإنما يستقبلهم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق يصلي فإن كان فلينحرف يمنة أو يسرة لأن استقبال المصلى بوجهه مكروه لحديث " عمر " رضي الله تعالى عنه فإنه رأى رجلا يصلي إلى وجه رجل فعلاهما بالدرة وقال للمصلي أتستقبل الصورة وقال للآخر أتستقبل المصلي بوجهك فأما في صلاة الظهر والعشاء والمغرب يكره له المكث قاعدا لأنه مندوب إلى التنفل بعد هذه الصلوات والسنن لجبر نقصان ما يمكن في الفرائض فيشتغل بها وكراهية القعود في مكانه مروى عن " عمر " و " علي " و " ابن مسعود " و " ابن عمر " رضي الله تعالى عنهم ولا يشتغل بالتطوع في مكان الفريضة " للحديث المروي أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر بسبحته " أي بنافلته ولأنه يفتتن به الداخل أي يظنه في الفريضة فيقتدي به ولكنه يتحول إلى مكان آخر للتطوع استكثارا من شهوده فإن مكان المصلي يشهد له يوم القيامة .
والأولى أن يتقدم المقتدي ويتأخر الإمام ليكون حالهما في التطوع .
صفحة [ 39 ] خلاف حالهما في الفريضة فإن كان الإمام مع القوم في المسجد فإني أحب لهم أن يقوموا في الصف إذا قال المؤذن حي على الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام والقوم جميعا في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله وإن أخروا التكبير حتى يفرغ المؤذن من الإقامة جاز .
وقال " أبو يوسف " C : لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة .
وقال زفر : إذا قال المؤذن مرة قد قامت الصلاة قاموا في الصف وإذا قال ثانيا كبروا وقال لأن الإقامة تباين الأذان بهاتين الكلمتين فتقام الصلاة عندها .
و " أبو يوسف " احتج بحديث " عمر " رضي الله تعالى عنه فإنه بعد فراغ المؤذن من الإقامة كان يقوم في المحراب ويبعث رجالا يمنة ويسرة ليسووا الصفوف فإذا نادوا استوت كبر ولأنه لو كبر الإمام قبل فراغ المؤذن من الإقامة فات المؤذن تكبيرة الإفتتاح فيؤدي إلى تقليل رغائب الناس في هذه الأمانة .
و " أبو حنيفة " و " محمد " رحمهما الله استدلا " بحديث " بلال " حيث قال لرسول الله A مهما سبقتني بالتكبير فلا تسبقني بالتأمين " فدل على أنه كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ولأن المؤذن بقوله قد قامت الصلاة يخبر بأن الصلاة قد أقيمت وهو أمين فإذا لم يكبر كان كاذبا في هذا الإخبار فينبغي أن يحققوا خبره بفعلهم لتحقق أمانته وهذا إذا كان المؤذن غير الإمام فإن كان هو الإمام لم يقوموا حتى يفرغ من الإقامة لأنهم تبع للإمام وإمامهم الآن قائم للإقامة لا للصلاة وكذلك بعد فراغه من الإقامة ما لم يدخل المسجد لا يقومون فإذا اختلط بالصفوف قام كل صف جاوزهم حتى ينتهي إلى المحراب وكذلك إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد يكره لهم أن يقوموا في الصف حتى يدخل الإمام " لقوله E لا تقوموا في الصف حتى تروني خرجت " وأن " عليا " رضي الله تعالى عنه دخل المسجد فرأى الناس قياما ينتظرونه فقال ما لي أراكم سامدين أي واقفين متحيرين .
ومن تثاءب في الصلاة ينبغي له أن يغطي فاه " لقوله E إذا تثاءب أحدكم في صلاته فليغط فاه فإن الشيطان يدخل فيه أو قال فمه " ولأن ترك تغطية الفم عند التثاؤب في المحادثة مع الناس تعد من سوء الأدب ففي مناجاة الرب أولى .
قال : وأكره أن يكون الإمام على الدكان والقوم على الأرض " لأن النبي A نزل عن المنبر لصلاة الجمعة " فلو لم يكره كون الإمام على الدكان لصلى على المنبر ليكون أشهر وإن " حذيفة " رضي الله تعالى عنه قام على دكان يصلي لأصحابه فجذبه " سلمان " حتى أنزله فلما فرغ قال أما علمت أن أصحابك يكرهون .
صفحة [ 40 ] ذلك قال فلهذا اتبعتك حين جذبتني .
وروي أن " عمار بن ياسر " رضي الله تعالى عنه قام بالمدائن على دكان يصلي بأصحابه فجذبه " حذيفة " رضي الله تعالى عنه فلما فرغ قال أما " سمعت رسول الله A ينهي عن هذا " قال لقد تذكرت ذلك حين جذبتني .
وفي قيامه على الدكان تشبه باليهود وإظهار التكبر في القوم وذلك مكروه فإن كان الإمام على الأرض والقوم على الدكان فذلك مكروه في رواية الأصل لأن فيه استخفافا من القوم لأئمتهم .
وفي رواية " الطحاوي " : هذا لا يكره لأن مخالف لأهل الكتاب وكذلك إن كان مع الإمام بعض القوم لم يكره .
ولم يبين في الأصل حد ارتفاع الدكان وذكر " الطحاوي " أنه ما لم يجاوز القامة لا يكره لأن القليل من الإرتفاع عفو ففي الأرض هبوط وصعود والكثير ليس بعفو فجعلنا الحد الفاصل أن يجاوز القامة لأن القوم حينئذ يحتاجون إلى التكلف للنظر إلى الإمام وربما يشتبه عليهم حاله .
( يتبع . . . )