قال : Bه ولو أن إماما صلى بقوم ركعتين من الظهر ثم اقتدى به رجل ثم أحدث الإمام فقدمه فظن الرجل أنه صلى ثلاث ركعات فصلى بهم ركعة أخرى ثم تأخر فأخذ بيد رجل ممن أدرك أول الصلاة فسلم بهم فصلاتهم جميعا فاسدة لأن الإمام الثاني استخلف في غير موضعه . ولو أن الأول استخلف في غير موضعه من غير عذر كان ذلك مفسدا لصلاته وصلاة القوم فكذلك الثاني إذا فعل ذلك وإن كان ظن أنه إنما صلى ركعة فصلى ثلاث ركعات ولم يقعد في رابعة الإمام فصلاتهم أيضا فاسدة لأنه قائم مقام الأول والأول لو قام إلى الخامسة قبل أن يقعد وقيد الركعة بالسجدة فسدت صلاته وصلاة جميع القوم فكذلك الثاني .
ولو أن إماما أحدث فتقدم رجلان ممن خلفه ونوى كل واحد منهما أن يكون إماما فائتم بكل واحد منهما طائفة فصلاة الذي ائتم به الأكثر من القوم تامة وصلاة الآخرين فاسدة لأن هذه صلاة افتتحت بإمام فلا يمكن إتمامها بإمامين والأقل لا يزاحم الأكثر فالإمام هو الذي ائتم به أكثر القوم . وبما ذكر هنا تبين أنه لا معتبر بما قاله بعض مشايخنا أنه ائتم بكل واحد منهما طائفة أنه تفسد صلاة الفريقين ولا عبرة بالأقل والأكثر بعد أن وجد جمع متفق عليه مع كل واحد منهما فإنه نص هنا على الترجيح بالكثرة وهو أصل في الفقه فإن للأكثر حكم الكمال والذي ائتم به أكثر القوم في حكم ما لو ائتم به .
صفحة [ 116 ] جميع القوم وإن لم تزد بعض الطائفة على بعض فصلاتهم فاسدة لأنه لا ترجيح لأحد الفريقين . ولا وجه لتصحيح صلاة الفريقين لأن الصلاة التي افتتحت بإمام لا يمكن إتمامها بإمامين . ولو قدم الإمام رجلا قبل أن يخرج من المسجد وتقدم آخر وائتم بكل واحد منهما طائفة من القوم فهذا والأول سواء لأن الذي تقدم بنفسه قبل خروج الإمام في حكم من قدمه الإمام إذا اقتدى به القوم فإن الإمام إنما يستخلف لإصلاح صلاتهم ولهم أن يشتغلوا بإصلاح صلاتهم كما يكون ذلك للإمام واقتداء القوم بمن تقدم بمنزلة تقديم الإمام إياه ألا ترى أن اجتماع الناس على رجل بمنزلة استخلاف الإمام الأعظم إياه في حكم ثبوت الإمامة له . ولو أن رجلا أم رجلين في مسجد فأحدث فقدم أحدهما ثم أحدث الثاني فخرج ونوى الثالث أن يكون إماما فهذا لا معتبر به فإنه متعين للإمامة سواء نوى أو لم ينو تحولت الإمامة إليه فإن أحدث فخرج من المسجد قبل أن يعود أحد الأولين فسدت صلاتهما لأنه لم يبق لهما إمام في المسجد ولم تفسد صلاته لأنه في حق نفسه كالمنفرد ولو لم يخرج من المسجد حتى استقبله الرجلان ثم خرج قبل أن يستخلف أحدهما وقبل أن يتقدم أحدهما فصلاة الرجلين فاسدة لأنه ليس أحدهما بتحول الإمامة إليه بأولى من الآخر وإن تقدم أحدهما للإمامة أو قدمه الإمام ثم خرج فصلاتهم جميعا تامة لأن الإمامة قد تحولت إلى من قدمه الإمام أو تقدم بنفسه فلم يخل مكان الإمامة عن الإمام . ولو أن رجلا أم قوما في المسجد والمسجد ملآن وصف خارج من المسجد متصل بهم يصلون فأحدث وأخذ بيد رجل ممن هو خارج المسجد فقدمه فصلاتهم جميعا فاسدة وهو قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى . فأما على قول " محمد " و " زفر " رحمهما الله تعالى فصلاتهم تامة قال : .
لأن الصفوف متصلة وبحكم اتصال الصفوف تصير الأمكنة المختلفة كمكان واحد ألا ترى أنهم إذا كانوا يصلون في الصحراء فاستخلف الإمام من آخر الصفوف قبل أن يجاوزها صح الاستخلاف ولم تفسد صلاتهم بتأخير الاستخلاف إلى آخر الصفوف فكذلك إذا كان الإمام في المسجد . والدليل عليه : أن القوم الذين هم خارج المسجد صح اقتداؤهم بالإمام وإنما صح اقتداؤهم به لأن الموضع الذين هم فيه بمنزلة المسجد في حكم الصلاة فكذلك في حكم الاستخلاف وهذا لأن الاستخلاف إنما يكون لإصلاح صلاة القوم وحاجة الذين هم خارج المسجد إلى ذلك كحاجة الذين هم في المسجد ألا ترى أنه قبل أن يخرج من المسجد لو أشار إلى بعض من كان خارج المسجد حتى دخل فتقدم كان استخلافه صحيحا .
صفحة [ 117 ] فكذلك إذا خرج إليه فقدمه قبل أن يجاوز الصفوف فقلنا بأن استخلافه يكون صحيحا . وجه قولهما أن الإمام خرج من المسجد قبل الاستخلاف وذلك مفسد لصلاة القوم كما لو لم تكن الصفوف متصلة خارج المسجد وتحقيق هذا الكلام : أن القياس أن تفسد صلاته بترك الاستخلاف من أول الصفوف وإن كان في المسجد لخلو موضع الإمامة وهو المحراب عن الإمام . ولكن تركنا هذا القياس ما دام الإمام في المسجد لأن جميع المسجد في حكم مكان واحد ولهذا صح اقتداء من وقف في آخر المسجد بالإمام وإن لم تكن الصفوف متصلة بينه وبين الإمام وهذا المعنى لا يوجد خارج المسجد لأن ذلك لم يجعل في حكم المسجد فأخذنا فيه بالقياس وإنما جعلنا ذلك في حكم صحة الاقتداء بمنزلة المسجد لأجل الضرورة ألا ترى أنه في غير موضع الضرورة وهو ما إذا لم يكن المسجد ملآنا لا يجعل كذلك حتى لا يصح اقتداؤهم بالإمام فكذلك في حكم الاستخلاف لا ضرورة لأنه يتمكن من الاستخلاف في المسجد وهذا بخلاف ما إذا كانوا يصلون في الصحراء لأن تلك الأمكنة قبل افتتاح الصلاة فيها لم تكن في حكم مكان واحد وإنما صارت كذلك باتصال الصفوف فالمواضع التي فيها الصفوف متصلة تكون بمنزلة المسجد وههنا المسجد في حكم مكان واحد بدون اتصال الصفوف . ألا ترى أن الإمام لو جاوز الصفوف قبل أن يستخلف وهو في المسجد بعد ثم استخلف كان استخلافه صحيحا فلما كان فيما يرجع إلى تصحيح صلاتهم يعتبر المسجد ههنا ولا يعتبر اتصال الصفوف فكذلك فيما يرجع إلى فساد صلاتهم