مسافر اقتدى بمقيم فعليه أن يصلي أربعا لأنه التزم متابعة الإمام بالاقتداء به فإن تكلم صلى ركعتين لأنه مسافر على حاله وإنما كان يلزمه الإتمام لأجل المتابعة وقد زال ذلك حين تكلم وهذا بخلاف ما لو اقتدى به بنية النفل ثم تكلم فإنه يلزمه قضاء أربع ركعات لأن هناك بالشروع يكون ملتزما صلاة الإمام وصلاة الإمام أربع ركعات وهنا بالشروع ما قصد التزام شيء وإنما قصد إسقاط الفرض عن ذمته وتغير فرضه حكما للمتابعة فإذا انعدمت صار كأنه لم يشرع في صلاته أصلا . ولو نام هذا المسافر خلف المقيم حتى دخل وقت العصر فعليه أن يصلي أربعا لأنه لاحق واللاحق في حكم المقتدي فإن تكلم صلى ركعتين وكذلك إن نوى الإقامة بعد ما تكلم لأنه بالكلام يخرج عن متابعة الإمام فتبقى نية الإقامة منه بعد خروج الوقت وذلك لا يغير فرضه .
فإن قيل : هذا إذا كان الواجب عليه عند خروج الوقت ركعتين وهنا الواجب عليه عند خروج الوقت أربع ركعات .
قلنا : نعم ولكن وجوب الأربع عليه عند خروج الوقت كان من المتابعة وقد انعدم ذلك حين تكلم فكان هذا وما لو خرج الوقت .
صفحة [ 106 ] قبل شروعه في الصلاة سواء فلا يتغير فرضه بنية الإقامة . ولو أن امرأة سافرت مع زوجها فنوى هو أن يقيم في موضع خمسة عشر يوما فعليها أن تصلي أربعا وإن لم تنو الإقامة ولو أنها نوت الإقامة دون الزوج كان عليها أن تصلي ركعتين لأنها تابعة للزوج في السفر والإقامة . قال الله تعالى : { " أسكنوهن من حيث سكنتم " } الطلاق : 6 . وقال الله تعالى : { " الرجال قوامون على النساء " } النساء : 34 وإنما يعتبر تغير النية ممن هو أصل دون من هو تبع لأن ثبوت الحكم في التبع بثبوته في الأصل ومن أصحابنا من يقول : هذا إذا كانت قد استوفت صداقها . فإن لم تكن استوفت صداقها ولم يدخل بها الزوج فإنه تعتبر نيتها لأن لها أن تحبس نفسها لاستيفاء الصداق فلا تخرج مع زوجها . وإن كان قد دخل بها فعلى الخلاف المعروف في ثبوت حق الحبس لها لاستيفاء الصداق .
وقيل : بل هو قولهم جميعا لأنه وإن كان لها أن تحبس نفسها فما لم تحبس كانت تابعة لزوجها وإنما وضع المسألة فيما إذا نوت الإقامة أو السفر من غير أن قصدت حبس نفسها عن زوجها وعلى هذا حكم كل تبع مع أصله كالعبد مع سيده والأجير للخدمة مع المستأجر والجندي مع السلطان إنما يعتبر نية الإقامة والسفر ممن هو أصل دون التبع وإن كان الزوج أو السيد خلى بين المرأة والعبد وبين النية الآن تعتبر نيتهما لأنهما صارا أصلين بهذه التخلية ما لم يرجع الزوج والسيد عنها . قال : كوفي خرج يريد " مكة " فلما انتهى إلى الحيرة توضأ وافتتح الصلاة ثم رعف فنوى الرجوع إلى " الكوفة " ثم أصاب الماء في مكانه فتوضأ صلى أربعا لأنه لما نوى الرجوع إلى وطنه الأصلي وهو في فناء وطنه فقد صار رافضا لسفره والتحق بالمقيم في هذه الصلاة فعليه أن يصلي أربعا وكذلك إن تكلم لأنه صار مقيما بنيته الأولى في هذا المكان فلا يصير مسافرا ما لم يرتحل منه . وإن لم يتكلم ولكن قيل له إن أمامك ماء على رأس غلوة فمشى إليه فتوضأ فإنه يصلي أربعا لأنه قد لزمه الإتمام بنيته الأولى ولأنه بالتوجه أمامه لا يصير مسافرا بعدما صار مقيما لأن السفر عمل وحرمة الصلاة تمنعه من مباشرة عمل ليس من أعمال صلاته بخلاف نية الإقامة فإنه ترك للسفر وهو يحصل بمجرد النية فحرمة الصلاة لا تمنع منه .
فإن تكلم بعدما مشى أمامه صلى ركعتين لأنه خرج عن حرمة الصلاة وهو منشئا للسفر بمشيه بعد ما خرج من حرمة الصلاة . ولو أن خراسانيا أوطن " الكوفة " سنة فعليه أن يصلي أربعا لأنه نوى الإقامة في موضعها وهذا وطن مستعار له وقد بينا في كتاب الصلاة أن الأوطان ثلاثة فعلى ذلك الأصل بنى هذه المسائل فقال : إن خرج هذا .
صفحة [ 107 ] الخراساني مع كوفي إلى " مكة " فلما انتهيا إلى " الحيرة " نويا الإقامة " بالقادسية " شهرا فعلى الكوفي أن يصلي أربعا والخراساني يصلي ركعتين حتى يدخل " القادسية " على نيته لأن وطن الكوفي " بالكوفة " وطن أصلي فلا ينتقض بالخروج منه على قصد السفر فإنما نوى الإقامة في فناء وطنه الأصلي لأن " القادسية " على مرحلتين من " الكوفة " فصار هو مقيما من ساعته ووطن الخراساني " بالكوفة " كان مستعارا فانتفض بالخروج من " الكوفة " على قصد السفر فهو مسافر نوى الإقامة في موضع فما لم يدخل ذلك الموضع لا يصير مقيما فإذا دخلا " القادسية " صليا أربعا حتى يخرجا منها إلى " مكة " .
فإن بدا لهما أن لا يقيما " بالقادسية " بعد نيتهما الأولى وهما " بالحيرة " بعد فإن الكوفي يصلي أربعا والخراساني يصلي ركعتين لأن الكوفي مقيم بنيته الأولى في هذا الموضع فلا يصير مسافرا برفض النية ما لم يخرج منها . وإن شخصان من ذلك الموضع صليا ركعتين وإن نويا من " الحيرة " أن يخرجا إلى " خراسان " ويمران " بالكوفة " فالخراساني يصلي ركعتين والكوفي يصلي أربعا لأنه عزم على الرجوع إلى وطنه الأصلي وبينه وبين وطنه دون مسيرة سفر فيصير مقيما في الحال حتى يخرج من " الكوفة " إلى " خراسان " .
وإن نويا الذهاب إلى " خراسان " ولا يمران " بالكوفة " صليا ركعتين لأن الكوفي لم يعزم على الرجوع إلى وطنه فهو ماض على سفره يصلي ركعتين كالخراساني .
وإن خرج الكوفي والخراساني يريدان قصر " ابن هبيرة " وهو على ليلتين من " الكوفة " صليا أربعا لأنهما لم يعزما على السفر من " الكوفة " فإن أدنى مدة السفر ثلاثة أيام .
فإن بدا لهما أن يقيما بالقصر خمسة عشر يوما ثم يمضيان إلى " بغداد " صليا أربعا لأن من القصر إلى " بغداد " دون مدة السفر .
فإن بدا لهما الرجوع من " بغداد " إلى " الكوفة " ويمران بالقصر فالخراساني يصلي أربعا والكوفي يصلي ركعتين لأن وطن الخراساني بالقصر كان وطنا مستعارا فانتقض به وطنه " بالكوفة وصار وطنه القصر وقد عزم على الرجوع إلى وطنه وبينه وبين وطنه دون مسيرة سفر فيصلي أربعا وأما وطن الكوفي بالقصر فكان وطن السكنى لأنه في فناء وطنه الأصلي ولا يكون له وطنا مستعارا في فناء وطنه الأصلي فإن الوطن الأصلي ينقض الوطن المستعار لأنه فوقه ووطن السكنى ينتقض بالخروج منه لا على قصد السفر فالتحق هو بعد ما وصل إلى بغداد بمن لم يدخل القصر فإذا عزم على الرجوع إلى وطنه فقد أنشأ سفرا من " بغداد " إلى " الكوفة " . وإن كانا أوطنا ببغداد خمسة عشر يوما ثم بدا لهما الرجوع صليا جميعا ركعتين لأن وطن .
صفحة [ 108 ] الخراساني بالقصر قد انتقض بمثله وهو وطنه ب " بغداد " وإن لم يكونا نويا الإقامة بالقصر ولا ببغداد فإذا خرجا من " بغداد " إلى " الكوفة " صليا ركعتين لأن وطنهما بالقصر كان وطن السكنى وقد انتقض بالخروج منه .
ولو أن كوفيا باع داره وخرج مع عياله يريد أن يوطن " مكة " فلما انتهى إلى الثعلبية بدا له أن يوطن " خرسان " فمر " بالكوفة " صلى أربعا لأن الوطن الأصلي لا ينقضه إلا وطن أصلي مثله ولم يظهر له وطن أصلي في موضع آخر فكانت " الكوفة " وطنا له فيصلي بها أربعا فإن كان أتى " مكة " ودخلها على عزيمته ثم بدا له أن يرجع إلى " خراسان " فمر " بالكوفة " صلى ركعتين لأنه لما دخل مكة بأهله وثقله على قصد التوطن بها صار ذلك وطنا أصليا له وانتقض وطنه " بالكوفة " ألا ترى أن النبي A كان متوطنا بمكة فلما توطن بالمدينة انتقض وطنه بمكة حتى لما دخلها قال : " أتموا يا أهل " مكة " صلاتكم فإنا قوم سفر . " فإن بدا له أن يرجع إلى " اليمن " ويمر " بمكة " صلى أربعا لأنها صارت وطنا أصليا له ولم يتخذ بعدها وطنا آخر .
ولو أن كوفيا قدم " مكة " في عيد الأضحى يريد الحج ويريد أن يقيم " بمكة " سنة فإنه يصلي ركعتين حتى يخرج من " منى " لأنه على عزم الخروج منها إلى " منى " و " عرفات " فلا يصير مقيما بهذا الدخول حتى يرجع من " منى " إلا أن يكون حين أتاها كان بينه وبين يوم التروية خمسة عشر يوما أو أكثر فحينئذ يصير مقيما ثم بالخروج إلى " منى " و " عرفات " لا يصير مسافرا وإن بدا له قبل أن يرجع إلى " منى " أن ينصرف إلى " الكوفة " بعدما قضى حجه صلى ركعتين بمكة في المسألة الأولى لأنه بعد الرجوع من " منى " ما دخلها على عزم الإقامة فلا يصير مقيما وإن كان إنما بدا له هذا بعد ما رجع من " منى " صلى أربعا حتى يخرج من " مكة " يريد سفرا لأنه صار مقيما بها حين دخلها على عزم الاقامة . ولو أن خراسانيا أوطن " الكوفة " و " الحيرة " عشرين يوما صلى ركعتين لأنه نوى الإقامة في الموضعين وإنما تعتبر نية الإقامة في موضع واحد إلا أن يكون نوى أن يكون بالليل " بالحيرة " وبالنهار " بالكوفة " فحينئذ يصير مقيما إذا انتهى إلى الحيرة لأن موضع إقامة المرء حيث يبيت فيه ألا ترى أنك تسأل السوقي أين يقيم فيقول في محله كذا ويشير إلى مبيته وإن كان هو بالنهار يكون في السوق .
ولو أن كوفيا خرج حاجا ثم رجع إلى " الحيرة " فنوى بها الإقامة صلى أربعا فإن بدا له أن يخرج إلى " مكة " فلما انتهى إلى " النجف " وهو على رأس فرسخين بدا له أن يرجع إلى " الكوفة " فإنه يصلي ركعتين ما لم يدخل " الكوفة " لأن " الحيرة " كانت وطن السكنى .
صفحة [ 109 ] في حقه فانتقض بالخروج منها والتحق بمن لم يدخلها . وكذلك لو بدا له أن يرجع إلى " الحيرة " فإنه يصلي ركعتين وإن كان هو على أقل من يوم من أهله لأنه ماض على سفره ما لم يدخل " الكوفة " فإن وطنه " بالحيرة كان وطن السكنى .
ولو أن كوفيين خرج أحدهما من أهله يريد " مكة " وأقبل الآخر من " الشام " يريد " الكوفة " فالتقيا " بالحيرة " وقد حضرت الصلاة فافتتحا الصلاة ثم رعفا فأقبلا يريدان " الكوفة " ثم أصابا ماء قبل أن ينتهيا إلى بنيان " الكوفة " فالذي خرج من " الكوفة " يصلي أربعا والذي أقبل من " الشام " يصلي ركعتين لأن الذي أقبل من " الشام " ماض على سفره ما لم يدخل " الكوفة " والذي خرج عزم على الرجوع إلى وطنه الأصلي الذي خرج منه فصار مقيما في الحال فلهذا صلى أربعا وإن كانا دخلا " الكوفة " فتوضيأ صليا أربعا لأن الذي أقبل من الشام بدخوله إلى وطنه الأصلي صار مقيما . فإن كانا مقتديين بمسافر فدخلا " الكوفة " قبل أن يفرغ إمامهما صليا أربعا لأن حالهما معتبر بحال إمامهما . ولو دخل إمامهما وطنه في هذه الحالة صلى أربعا وإن كان فرغ إمامهما من صلاته وقد أحدثا فدخلا " الكوفة " صلى كل واحد منهما ركعتين لأنهما مقتديان به وإمامهما لو صار مقيما في هذه الحالة لم يتغير فرضه فكذلك لا يتغير فرضهما وإن تكلما صليا أربعا لأن حكم المتابعة قد انقطع حيت تكلما وقد دخلا وطنهما الأصلي فكانا مقيمين فيه يصليان أربعا