قال : رجل توضأ بالنبيذ وصلى ثم أصاب الماء في الوقت فصلاته تامة في قول " أبي حنيفة " C تعالى لأن من أصله أن نبيذ التمر طهور في حال عدم الماء وهو بدل عن الماء فإذا قدر على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل فلا يلزمه الإعادة كالمتيمم إذا وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والمكفر بالصوم .
صفحة [ 91 ] إذا أيسر بعد الفراغ من التكفير بالصوم . فإن قيل : الوقت باق فينبغي أن يجعل وجود الماء في آخر الوقت كوجوده في أول الوقت . قلنا : وجوب استعمال الماء عليه لأجل الصلاة لا لأجل الوقت وما وجد الماء إلا بعد الفراغ من الصلاة وكذا المكفر بالصوم إذا أيسر بعد الفراغ من التكفير بالصوم فلا يعتبر وجوده في هذه الصلاة إنما يعتبر في صلاة أخرى فعليه أن يتوضأ لصلاة أخرى . رجل فاتته ركعة من الظهر مع الإمام فلما رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة قام الرجل ولم يقعد معه فإن كان قرأ بعد ما قعد الإمام قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض القراءة جازت صلاته وإلا لم تجزه لأن قيامه وقراءته غير معتد به ما لم يقعد الإمام قدر التشهد لمعنيين : أحدهما : أنه مقتد ما لم يفرغ الإمام من التشهد لأنه كان شريك الإمام مقتديا به فلا يجوز أن يخرج من الاقتداء إلا في وقت لو خرج الإمام فيه من الصلاة جازت صلاته وما لم يقعد الإمام مقدار التشهد لو خرج من الصلاة لم تجزئه صلاته فكذلك لا يخرج هو من الاقتداء ولا يعتد بقراءة المتقدي ولأن العود إلى القعود مع الإمام مستحق عليه ما لم يفرغ من التشهد فيجعل هو في الحكم كالقاعد وإن كان قائما في الصورة فإذا ركع قبل فراغ الإمام من التشهد فكأنه ترك القيام والقراءة في هذه الركعة فلا تجزئه صلاته وإن قرأ بعد ما قعد الإمام من التشهد فكأنه ترك القيام والقراءة في هذه الركعة فلا تجزئه صلاته وإن قرأ بعد ما قعد الإمام قدر التشهد مقدار ما يتأدى به فرض القراءة جازت صلاته بمنزلة ما لو قام في هذه الحالة .
فإن قيل : القعدة الأخيرة ركن وقد تركها فينبغي أن تفسد صلاته . قلنا : هذه القعدة في حقه ليست هي القعدة الأخيرة وإنما تلزمه لمتابعة الإمام فإن القعدة الأخيرة ما يكون ختم الصلاة بها وذلك بعد فراغه من القضاء وقد أتى بها . وإن كان أدرك مع الإمام ركعة من الظهر والمسألة بحالها قال إن كان قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد شيئا قليلا أو كثيرا أجزأته صلاته إن قرأ في الثالثة والرابعة . وإن كان لم يقرأ بعد قعود الإمام مقدار التشهد شيئا استقبل الصلاة ولم يرد حقيقة القراءة وإنما أراد القيام فكنى بالقراءة عنه لأن القيام محل القراءة . والحاصل أنه إن بقي قائما بعد فراغ الإمام من التشهد جازت صلاته لأن القيام ركن في كل ركعة وفرض القراءة ركن في ركعتين وفرض القيام يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم وقد بينا أنه لا يعتبر قيامه ما لم يفرغ الإمام من التشهد فإذا بقي قائما بعد فراغ الإمام فقد وجد فرض القيام في هذه الركعة وقد قرأ في الركعتين بعدها فتتم صلاته وإن كان ركع قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد لم تجزئه صلاته لانعدام القيام المعتد به في هذه الركعة . وإن افتتح الصلاة قاعدا مع الإمام من غير عذر وصلى معه حتى فرغ الإمام لم تجز صلاته لأن القيام ركن . وأما قوله تعالى : { " الذين يذكرون الله قياما وقعودا " } آل عمران : 191 الآية فالمراد بيان أحوال المصلي بحسب الإمكان . قال الله تعالى : { " وقوموا لله قانتين " } البقرة : 238 وكذلك .
صفحة [ 92 ] إن افتتحها قائما ثم قعد من غير عذر فجعل يركع ويسجد وهو قاعد لم تجزه صلاته .
وإن كان حين قعد من غير عذر بعدما افتتحها قائما جعل يومئ للركوع والسجود فعليه أن يقوم ويتبع الإمام في صلاته وهي تامة بخلاف الأول والفرق من وجهين : أحدهما : أن ركوعه وسجوده على الأرض وهو قاعد يتأدى به التطوع في حال الاختيار . فإذا لم يجزئ ما أدى عن الفرض كان نفلا واشتغاله بأداء النفل قبل إكمال الفرض مفسد للفرض فعليه استقبال الصلاة وأما الإيماء في غير حالة العذر فلا يجوز أداء التطوع به كما لا يجوز أداء الفرض فلم يكن هو مؤديا للنفل ولكنه مؤخر أداء الأركان بعد ما صح اقتداؤه بالإمام فعليه أن يقوم ويؤدي أركان الصلاة ويكون مسيئا لمخالفته الإمام بالتأخير .
والثاني : أن الركوع والسجود عمل كثير وهو ليس من عمل صلاته لأنه غير معذور واشتغاله بعمل كثير ليس من أعمال صلاته يكون مفسدا لصلاته . فأما الإيماء فليس بعمل وهو يسير فالاشتغال به لا يكون قطعا لصلاته كالالتفات فلهذا يقوم ويبني على صلاته .
ولو ظن القوم أن الإمام قد كبر ولم يكن فعل فكبروا ثم قهقه بعض القوم فلا وضوء عليهم لأنه لم يصح شروعهم في الصلاة قبل الإمام فضحكهم لم يصادف حرمة الصلاة .
وقد ذكر في كتاب الصلاة أنه لو كبر قبل الإمام ثم كبر الإمام ثم كبر الرجل يكون شارعا في صلاة الإمام ويكون تكبيره هذا قطعا لما كان فيه وشروعا في صلاة الإمام فهذا يدل على أنه شارع في الصلاة بالتكبير قبل الإمام فمن أصحابنا من يقول : موضوع المسألة هناك أنه نوى أصل الصلاة ونوى الاقتداء بالإمام فصحت نيته أصل الصلاة ولم تصح نية الاقتداء فيكون شارعا في صلاة نفسه وموضوع المسألة ههنا أنه نوى صلاة الإمام ولم تصح نيته هذا حين لم يكبر الإمام فلا يصير شارعا في الصلاة . والأصح أن ما أجاب به في كتاب الصلاة قول " أبي يوسف " وهو إحدى الروايتين عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى لأن بفساد الجهة عندهما لا يفسد أصل الصلاة فكذلك في الابتداء وإذا لم تصح نية الجهة تبقى نية أصل الصلاة فيصير شارعا في صلاة نفسه . وعلى قول " محمد " C تعالى بفساد الجهة يفسد أصل الصلاة فكذلك ببطلان نية الجهة ههنا تبطل نية الصلاة هنا فلا يصير شارعا فيها بالتكبير قبل الإمام من غير نية