وقد كرهه بعض مشايخنا لأنه لو فعل كان الكفن شفعا والسنة فيه أن يكون وترا .
واستحسنه بعض مشايخنا لحديث " عمر " Bه أنه كان يعمم الميت ويجعل ذنب العمامة على وجهه بخلاف حالة الحياة فإنه يرسل ذنب العمامة من قبل القفا لمعنى الزينة بالموت قد انقطع عن ذلك .
قال : ثم يوضع الحنوط في لحيته ورأسه ويوضع الكافور على مساجده يعني جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه لأنه كان يسجد بهذه الأعضاء فتخص بزيادة الكرامة وعن " زفر " Bه قال يذر الكافور على عينيه وأنفه وفمه لأن المقصود أن يتباعد الدود من الموضع الذي ينثر عليه الكافور وإنما تخص هذه المخارق من بدنه بالكافور لهذا .
قال : ثم يعطف الإزار عليه من قبل شقه الأيسر إن كان طويلا حتى يعطف على رأسه وسائر جسده فهو أولى ثم يعطف من قبل شقه الأيمن كذلك ثم يعطف اللفافة وهي الرداء كذلك لأن الميت في حال حياته إذا تحزم بدأ بعطف شقه الأيسر ثم يعطف الأيمن على الأيسر فكذلك يفعل به بعد الموت . قال : وإن تخوفت أن تنتشر أكفانه عقدته ولكن إذا وضع في قبره يحل العقد لأن المعنى الذي لأجله عقدته قد زال . ولم يبين في الكتاب أنه هل تحشى مخارقه : وقالوا لا بأس بذلك في أنفه وفمه كيلا يسيل منه شيء وقد جوزه " الشافعي " Bه في دبره .
صفحة [ 61 ] أيضا واستقبح ذلك مشايخنا . ثم يحمل على سريره ولا يتبع بنار إلى قبره يعني الاجمار في القبر قال " إبراهيم النخعي " C تعالى أكره أن يكون آخر زاده من الدنيا نارا " وروي أن النبي A خرج في جنازة فرأى امرأة في يدها مجمر فصاح عليها وطردها حتى توارت بالآكام " فإذا انتهى إلى قبره فلا يضره وترا دخله أو شفعا لأن في الحديث أنه : دخل قبر رسول الله A أربعة نفر " علي " و " العباس " و " الفضل بن العباس " واختلفوا في الرابع أنه " المغيرة بن شعبة " أو " أبو رافع " ولأن المقصود وضع الميت في القبر فإنما يدخل قبره بقدر ما تحصل به الكفاية الشفع والوتر فيه سواء فإذا وضع في اللحد قالوا بسم الله وعلى ملة رسول الله أي بسم الله وضعناك وعلى ملة رسول الله سلمناك . والسنة عندنا أن يدخل من قبل القبلة يعني توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر ويحمل منه الميت فيوضع في اللحد . وقال " الشافعي " Bه السنة أن يسل إلى قبره وصفة ذلك أن الجنازة توضع على يمين القبلة ثم يؤخذ برجله فيحمل إلى القبر فيسل جسده سلا لما " روى : أن النبي A سل إلى قبره " ولأنه في حال حياته كان إذا دخل بيته دخل برجله والقبر بيته بعد الموت فيبدأ بإدخال رجليه فيه .
ولنا " ما روى " إبراهيم النخعي " : أن النبي A أدخل قبره من قبل القبلة " فإن صح هذا اتضح المذهب . وإن صح ما رووا فقيل إنما كان ذلك لأجل الضرورة لأن النبي A مات في حجرة " عائشة " Bها وعن أبيها من قبل الحائط وكان السنة في دفن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين في الموضع الذي قبضوا فيه فلم يتمكنوا من وضع السرير قبل القبلة لأجل الحائط فلهذا سل إلى قبره . وعن " ابن عباس " و " ابن عمر " Bهما قيل يدخل الميت قبره من قبل القبلة لأن جانب القبلة معظم ألا ترى أن المختار للجلوس في حال الحياة استقبال القبلة قال رسول الله A : خير المجالس ما استقبلت به القبلة فكذلك بعد الوفاة يختار إدخاله من قبل القبلة .
قال : ويلحد له ولا يشق عندنا وقال " الشافعي " Bه يشق . واعتمادنا فيه على " قوله A : اللحد لنا والشق لغيرنا " وكان بالمدينة حفاران أحدهما يلحد والآخر يشق فلما قبض رسول الله A بعثوا في طلب الحفار فقال " العباس " رضي الله تعالى عنه اللهم خر لنبيك فوجد الذي يلحد . وصفة اللحد : أن يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيه الميت . وصفة الشق : أن يحفر حفيرة في .
صفحة [ 62 ] وسط القبر ويوضع فيه الميت وإنما اختاروا الشق في ديارنا لتعذر اللحد فإن الأرض فيها رخاوة فإذا ألحد انهار عليه فلهذا استعملوا الشق ويجعل على لحده اللبن والقصب جاء في الحديث : " أنه وضع على قبر رسول الله A طن من قصب " " ورأى رسول الله A فرجة في قبر فأخذ مدرة وناولها الحفار وقال : سد بها تلك الفرجة فإن الله تعالى يحب من كل صانع أن يحكم صنعته " والمدرة قطعة من اللبن فدل أنه لا بأس باستعمال اللبن . ويكره الأجر لأنه إنما استعمل في الأبنية للزينة أو لإحكام البناء والقبر موضع البلى فلا يستعمل فيه الآجر . وكان الشيخ الإمام " أبو بكر محمد بن الفضل " C تعالى يقول : لا بأس في ديارنا لرخاوة الأرض وكان يجوز استعمال رفوف الخشب واتخاذ التابوت للميت حتى قالوا لو اتخذوا تابوتا من حديد لم أر به بأسا في هذه الديار .
قال : ويسجى قبر الميت بثوب حتى يفرغ من اللحد لما روى أن " فاطمة " رضي الله تعالى عنها سجى قبرها بثوب وغشى على جنازتها ولأن مبنى حال المرأة على الستر كما في حال حياتها ولا يسجي قبر الرجل لما روى أن " عليا " رضي الله تعالى عنه رأى قبر رجل سجي بثوب فنحى الثوب وقال لا تشبهوه بالنساء ولأن مبنى حال الرجل على الانكشاف والظهور إلا إذا كان عند الضرورة لدفع مطر أو ثلج أو حر على الداخلين في القبر فحينئذ لا بأس به .
قال : ويسنم القبر ولا يربع لحديث " النخعي " قال : حدثني من رأى قبر رسول الله A " وأبي بكر وعمر " رضي الله تعالى عنهما مسنمة عليها فلق من مدر بيض ولأن التربيع في الأبنية للأحكام ويختار للقبور ما هو أبعد من إحكام الأبنية . وعلى قول الروافض السنة التربيع في القبور ولا تجصص لما " روي أن النبي A : نهى عن تجصيص القبور وتربيعها " ولأن التجصيص في الأبنية أما للزينة أو لإحكام البناء .
قال : وإمام الحي أحق بالصلاة على الميت وحاصل المذهب عندنا أن السلطان إذا حضر فهو أحق بالصلاة عليه لأن إقامة الجمعة والعيدين إليه فكذلك الصلاة على من كان يحضر الجمعة والعيدين ولأن في المتقدم على السلطان ازدراء به والمأمور في حقه التوقير . ولما مات " الحسن بن علي " رضي الله تعالى عنهما حضر جنازته " سعيد بن العاص فقدمه " الحسين " رضي الله تعالى عنه وقال لولا أنها سنة ما قدمتك . وكذلك إن حضر القاضي فهو أحق بالصلاة عليه فإن لم يحضر واحد منهما فإمام الحي عندنا لأن الميت كان راضيا بإمامته في حياته فهو أحق بالصلاة عليه بعد .
صفحة [ 63 ] موته .
وعند " الشافعي " رضي الله تعالى عنه الولي أحق من إمام الحي لظاهر قوله تعالى : { " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " } الأنفال : 75 فإن لم يحضر إمام الحي فالأولياء .
وفي الكتاب قال الأب أحق من غيره وهو قول " محمد " C تعالى .
فأما عند " أبي يوسف " C تعالى فالابن أحق من الأب ولكن الأولى له أن يقدم الأب لأنه جده وفي التقدم عليه ازدراء به فالأولى أن يقدمه . وعند " محمد " C تعالى الأب أعم ولاية حتى يعم ولاية النفس والمال . وهذا نظير اختلافهم في ولاية التزويج كما بينته في كتاب النكاح والحاصل أنه يترتب هذا الحق على ترتيب العصوبة كولاية التزويج وابن العم أحق بالصلاة على المرأة من زوجها إن لم يكن لها منه ابن لما روي أن " عمر بن الخطاب " رضي الله تعالى عنه ماتت امرأة له فقال لأوليائها كنا أحق بها حين كانت حية فأما إذا ماتت فأنتم أحق بها . ولأن الزوجية تنقطع به . قال : والصلاة على الجنازة أربع تكبيرات وكان " ابن أبي ليلى " يقول خمس تكبيرات وهو رواية عن " أبي يوسف " C تعالى والآثار قد اختلفت في فعل رسول الله A " فروي : الخمس " " والسبع " " والتسع وأكثر " " من ذلك إلا أن آخر فعله كان أربع تكبيرات " فكان هذا ناسخا لما قبله وأن " عمر " Bه جمع الصحابة حين اختلفوا في عدد التكبيرات وقال لهم إنكم اختلفتم فمن يأتي بعدكم أشد اختلافا فانظروا آخر صلاة صلاها رسول الله A على جنازة فخذوا بذلك فوجدوه صلى على امرأة كبر عليها أربعا فاتفقوا على ذلك ولأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة في سائر الصلوات وليس في المكتوبات زيادة على أربع ركعات . إلا أن " ابن أبي ليلى " C يقول التكبيرة الأولى للافتتاح فينبغي أن يكون بعدها أربع تكبيرات كل تكبيرة قائمة مقام ركعة