قال : ومن قتل من أهل العدل في محاربة أهل البغي فهو شهيد لا يغسل لأن المحاربة معهم مأمور بها قال الله تعالى : { " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " } الحجرات : 9 فالمقتول في هذه المحاربة باذل نفسه لابتغاء مرضات الله كالمقتول في محاربة المشركين .
ولما قاتل " علي " رضي الله تعالى عنه أهل " النهروان " لم يغسل من استشهد من أصحابه . ولم يذكر في الكتاب أن من قتل من أهل البغي ماذا يصنع به : وروى " المعلى " عن " أبي يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى أنه لا يغسل ولا يصلى عليه .
وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه يغسل ويصلى عليه لأنه مسلم قال الله تعالى : { " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا " } الحجرات : 9 الآية ولكنه مقتول بحق فهو كالمقتول رجما أو في قصاص . وهوالصواب إن شاءالله تعالى البرنامج .
ولنا حديث " علي " رضي الله تعالى عنه أن لم يغسل أهل " النهروان " ولم يصل عليهم فقيل له أكفارهم قال : لا ولكنهم إخواننا بغوا علينا . أشار إلى أن ترك الغسل والصلاة عليهم عقوبة لهم ليكون زجرا لغيرهم وهو نظير المصلوب يترك على خشبته عقوبة له وزجرا لغيره . قال : وإذا أغار أهل الحرب على قرية من قرى المسلمين فقتلوا الرجال والنساء والصبيان فلا خلاف أنه لا يغسل النساء كما لا يغسل الرجال لأنهن مخاطبات يخاصمن يوم القيامة من قتلهن فيبقى عليهن أثر الشهادة ليكون شاهدا .
صفحة [ 54 ] لهن كالرجال . فأما الصبيان عند " أبي حنيفة " Bه فيغسلون .
وقال " أبو يوسف " " ومحمد " رحمهما تعالى لا يغسلون قال : لأن حال الصبيان في الطهارة فوق حال البالغين فإذا لم يغسل البالغ إذا استشهد لأنه قد تطهر فالصبي أولى .
وأبو حنيفة .
C تعالى قال : ليس للصبي ذنب يمحوه السيف فالقتل في حقه والموت حتف أنفه سواء فيغسل ثم الصبي غير مكلف ولا يخاصم بنفسه في حقوقه في الدنيا فإنما الخصم في حقوقه في الآخرة هو خالقه سبحانه وتعالى والله غني عن الشهود فلا حاجة إلى إبقاء الشهادة عليه . قال : وإذا وجد عضو من أعضاء الآدمي كيد أو رجل لم يغسل ولم يصل عليه لكنه يدفن لأن المشروع الصلاة على الميت وذلك عبارة عن بدنه لا عن عضو من أعضائه ولعل صاحب العضو حي ولا يصلى على الحي ولو قلنا يصلى على عضو إذا وجد لكان يصلى على عضو آخر إذا وجد أيضا فيؤدي إلى تكرار الصلاة على ميت واحد وذلك غير مشروع عندنا . وقال " الشافعي " Bه يغسل ما وجد ويصلى عليه اعتبارا للبعض بالكل فإن أطراف الآدمي حرمة كما لنفسه وعنده لا بأس بتكرار الصلاة على ميت واحد .
ثم عندنا إن وجد النصف من بدنه مشقوقا طولا لا يصلى عليه لأنه لو صلى عليه لكان يصلى على النصف الآخر إذا وجد فيؤدي إلى تكرار الصلاة على ميت واحد . فأما إذا وجد أكثر البدن أو النصف ومعه الرأس يصلى عليه لأن للأكثر حكم الكل ولا يؤدي هذا إلى تكرار الصلاة عل ميت واحد . قال : وإذا وجد ميت لا يدرى أمسلم هو أم كافر فإن كان في قرية من قرى أهل الإسلام فالظاهر أنه مسلم فيغسل ويصلى عليه وإن كان في قرية من قرى أهل الشرك فالظاهر أنه منهم فلا يصلى عليه إلا أن يكون عليه سيما المسلمين فحينئذ يغسل ويصلى عليه وسيما المسلمين الختان والخضاب ولبس السواد وما تعذر الوقوف على حقيقته يعتبر فيه العلامة والسيما قال الله تعالى : { " يعرف المجرمون بسيماهم " } الرحمن : 41 وقال : { " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة " } التوبة : 46 قال : وإذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فإن كان الغلبة للمسلمين غسلوا وصلي عليهم إلا من عرف أنه كافر لأن الحكم للغلبة والمغلوب لا يظهر حكمه مع الغالب وإن كانت الغلبة لموتى الكفار لا يصلى عليهم إلا من عرف أنه مسلم بالسيما فإذا استويا لم يصل عليهم عندنا لأن الصلاة على الكفار منهى عنها ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين " وقال E : ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام على الحلال " .
صفحة [ 55 ] ومن العلماء من قال : يصلى عليهم ترجيحا للمسلمين على الكفار وينوي من يصلي عليهم المسلمين لأنه لو قدر على التمييز فعلا فعل فإذا عجز عنه ميز بالنية .
وعلى قول " الشافعي " Bه يستعمل التحري فيصلي على من وقع في أكبر رأيه أنه مسلم وهي مسألة التحري . ولم يبين في الكتاب أي موضع يدفنون : فقال بعض مشايخنا إذا لم يصل عليهم دفنوا في مقابر المشركين . وقال بعضهم : يتخذ لهم مقبرة على حدة . وأصل الاختلاف في نصرانية تحت مسلم حبلت ثم ماتت وفي بطنها ولد مسلم اختلف الصحابة أنها في أي موضع تدفن : فرجح بعضهم جانب الولد وقال تدفن في مقابر المسلمين وبعضهم جانبها فإن الولد في حكم جزء منها ما دام في البطن وقال تدفن في مقابر المشركين . وقال " عقبة بن عامر " C تعالى تتخذ لها مقبرة على حدة . قال : ولا بأس بأن يغسل المسلم أباه الكافر إذا مات ويدفنه لما بينا أن الغسل سنة الموتى من بني آدم وهو مع كفره منهم والولد المسلم مندوب إلى بر والده وإن كان مشركا قال الله تعالى : { " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " } الأحقاف : 15 والمراد به الوالد المشرك بدليل قوله تعالى : { " إن جاهداك على أن تشرك بي " } لقمان : 15 الآية ومن الإحسان والبر في حقه القيام بغسله ودفنه بعد موته ولما مات " أبو طالب " " جاء " علي " Bه إلى رسول الله A فقال إن عمك الضال قد مات فقال : اذهب فغسله وكفنه وواره ولا تحدث حدثا حتى تلقاني فلما رجعت إليه دعا لي بدعوات ما أحب أن يكون لي بها حمر النعم . " .
وقال " سعيد بن جبير " C تعالى سأل رجل " ابن عباس " Bه فقال : إن أمي ماتت نصرانية فقال : غسلها وكفنها وادفنها . وأن " الحارث بن أبي ربيعة " ماتت أمه نصرانية فتبع جنازتها في نفر من الصحابة . وإنما يغسل الكافر كما تغسل النجاسات بإفاضة الماء عليها لا يوضأ وضوء الصلاة كما يفعل بالمسلم لأنه كان لا يتوضأ في حياته وكذلك كل ذي رحم محرم منه وإنما يقوم بذلك إذا لم يكن هناك من يقوم به من المشركين فإذا كان خلي المسلم بينه وبينهم ليصنعوا به ما يصنعون بموتاهم . ولم يبين أن الابن المسلم إذا كان هو الميت هل يمكن أبوه الكافر من القيام بغسله وتجهيزه وينبغي أن لا يمكن من ذلك بل يفعله المسلمون لأن اليهودي لما آمن برسول الله A عند موته ما قام رسول الله A حتى مات ثم " قال لأصحابه : لو أخاكم ولم يخل بينه وبين والده اليهودي . " .
ويكره أن يدخل الكافر قبر ابنه من المسلمين لأن الموضع الذي فيه الكافر ينزل فيه السخط واللعنة فينزه قبر المسلم من ذلك وإنما يدخل قبره المسلمون .
صفحة [ 56 ] يضعوه على سنة المسلمين ويقولون عند وضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله والله تعالى أعلم