واسم الرحمة موضوع في اللغة العربية لرقة الخاطر وانعطافه نحو حي بحيث تحمل من اتصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضر عنه وإعانته على المشاق . فهي من الكيفيات النفسانية لأنها انفعال ولتلك الكيفية اندفاع يحمل صاحبها على أفعال وجودية بقدر استطاعته وعلى قدرة قوة انفعاله . فأصل الرحمة من مقولة الانفعال وآثارها من مقولة الفعل فإذا وصف موصوف بالرحمة كان معناه حصول الانفعال المذكور في نفسه وإذا أخبر عنه بأنه رحم غيره فهو على معنى صدر عنه أثر من آثار الرحمة ؛ إذ لا تكون تعدية فعل رحم إلى المرحوم إلا على هذا المعنى فليس لماهية الرحمة جزئيات وجودية ولكنها جزئيات من آثارها . فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشئ على مقدار عقائد أهلها فيما يجوز على الله ويستحيل وكان أكثر الأمم مجسمة ثم يجيء ذلك في لسان الشرائع تعبيرا عن المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن ( ليس كمثله شيء ) فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي الرحمن الرحيم لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى من الأعراض بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة ؛ لأن ما عدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم . ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه . وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في المقصد الأسنى بقوله " الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرحمة والرقة ولكنه ناقص " وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله من لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله تعالى كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل وكما نطلق الحي عليه تعالى مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون ونطلق القدرة مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة . فوصفه تعالى بالرحمن الرحيم من المنقولات الشرعية فقد أثبت القرآن رحمة الله في قوله ( ورحمتي وسعت كل شيء ) فهي منقولة في لسان الشرع إلى إرادة الله إيصال الإحسان إلى مخلوقاته في الحياة الدنيا وغالب الأسماء الحسنى من هذا القبيل . وأما المتشابه فهو ما كانت دلالته على المعنى المنزه عنه أقوى وأشد وسيأتي في سورة آل عمران عند قوله تعالى ( وأخر متشابهات ) . والذي ذهب إليه صاحب الكشاف وكثير من المحققين أن الرحمان صفة مشبهة كغضبان وبذلك مثله في الكشاف . وفعل رحم وإن كان متعديا والصفة المشبهة إنما تصاغ من فعل لازم إلا أن الفعل المتعدي إذا صار كالسجية لموصوفه ينزل منزلة أفعال الغرائز فيحول من فعل بفتح العين أو كسرها إلى فعل بضم العين للدلالة على أنه صار سجية كما قالوا فقه الرجل وظرف وفهم ثم تشتق منه بعد ذلك الصفة المشبهة ومثله كثير في الكلام وإنما يعرف هذا التحويل بأحد أمرين إما بسماع الفعل المحول مثل فقه وإما بوجود أثره وهو الصفة المشبهة مثل بليغ إذا صارت البلاغة سجية له مع عدم أو قلة سماع بلغ . ومن هذا رحمان إذ لم يسمع رحم بالضم . ومن النحاة من منع أن يكون الرحمان صفة مشبهة بناء على أن الفعل المشتق هو منه فعل متعد وإليه مال ابن مالك في شرح التسهيل في باب الصفة المشبهة ونظره برب وملك . . وأما الرحيم فذهب سيبويه إلى أنه من أمثلة المبالغة وهو باق على دلالته على التعدي وصاحب الكشاف والجمهور لم يثبتوا في أمثلة المبالغة وزن فعيل فالرحيم عندهم صفة مشبهة أيضا مثل مريض وسقيم والمبالغة حاصلة فيه على كلا الاعتبارين . والحق ما ذهب إليه سيبويه . ولا خلاف بين أهل اللغة في أن الوصفين دالان على المبالغة في صفة الرحمة أي تمكنها وتعلقها بكثير من المرحومين وإنما الخلاف في طريقة استفادة المبالغة منهما وهل