وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري : أنها نزلت في المنافقين كانوا يتخلفون عن الغزو بالمعاذير فيقبل منهم النبي A ويحبون أن يحمدوا بأن لهم نية المجاهدين وليس الموصول بمعنى لام الاستغراق . وفي البخاري : أن مروان بن الحكم قال لبوابة ( اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئن كان كل امرئ فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنغذبن أجمعون قال أبن عباس " وما لكم ولهذه إنما دعا رسول الله A يهود فسألهم عن شيء فاخبروه بغيره فأروه أنهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ( ثم قرأ ابن عباس ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) حتى قوله ( لا تحسبن الذين فرحوا بما لم يفعلوا ) الآية .
والمفازة : مكان الفوز . وهو المكان الذي من يحله يفوز بالسلامة من العدو سميت البيداء الواسعة مفازة لأن المنقطع فيها يفوز بنفسه م أعدائه وطلبة الوتر عنده وكانوا يتطلبون الإقامة فيها . قال النابغة : .
أو أضع البيت في صماء مظلمة ... تفيد العير لا يسرى بها الساري .
تدافع الناس عنا حين نركبها ... من المظالم تدعى أم صبار ولما كانت المفازة مجملة بالنسبة للفوز الحاصل فيها بين ذلك بقوله ( من العذاب ) . وحرف ( من ) معناه البدلية مثل قوله تعالى ( لا يسمن ولا يغني من جوع ) أو بمعنى ( عن ) بتضمين مفازة معنى منجاة .
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر : لا يحسبن الذين يفرحون بالباء التحتية على الغيبة وقرأه الباقون " بتاء الخطاب " .
أما سين ( تحسبن ) فقرأها بالكسر نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وابوجعفر ويعقوب . وقرأها بالفتح الباقون .
وقد جاء تركيب الآية على نظم بديع إذ حذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأول لدلالة ما يدل عليه وهو مفعول ( فلا تحسبنهم ) والتقدير : لا يحسبن الذين يفرحون إلخ أنفسهم . وأعيد فعل الحسبان في قوله ( فلا تحسبنهم ) مسندا إلى المخاطب على طريقة الاعتراض بالفاء وأتى بعده بالمفعول الثاني : وهو ( بمفازة من العذاب ) فتنازعه كلا الفعلين . وعلى قراءة الجمهور ( لا تحسبن الذين يفرحون " بتاء الخطاب " يكون خطابا لغير معين ليعم كل مخاطب ويكون قوله ( فلا تحسبنهم ) اعتراضا بالفاء أيضا والخطاب للنبي A مع ما في حذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأول وهو محل الفائدة من تشويق السامع إلى سماع المنهي عن حسبانه . وقرأ الجمهور فلا تحسبنهم : بفتح الباء الموحدة على أن الفعل لخطاب الواحد ؛ وقرأ ابن كير وأبو عمرو ويعقوب بضم الباء الموحدة على أنه لخطاب الجمع وحيث أنهما قرءا أوله بياء الغيبة فضم الياء يجعل فاعل ( يحسبن ) ومفعوله متحدين أي لا يحسبون أنفسهم واتحاد الفاعل والمفعول للفعل الواحد من خصائص أفعال الظن كما هنا وألحقت بها أفعال قليلة وهي : ( وجد ) و ( عدم ) و ( فقد ) .
وأما سين ( تحسبنهم ) فالقراءات مماثلة لما في سين ( يحسبن ) .
( ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير [ 189 ] ) تذييل بوعيد بدل على أن الله لا يخفى عليه ما يكتمون من خلائقهم .
A E ( إن في خلق السماوات والأرض واختلف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب [ 190 ] الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا بطلا سبحنك فقنا عذاب النار [ 191 ] ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار [ 192 ] ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فأمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار [ 193 ] ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد [ 194 ] ) هذا غرض أنف بالنسبة لما تتابع من أغراض السورة انتقل به من المقدمات والمقصد والتخللات بالمناسبات إلى غرض جديد هو الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات