وقال ابن يعيش : لا حجة فيه لاحتمال كونه لغة من قال سم والنصب فيه نصب إعراب لا نصب الإعلال ورده عبد الحكيم بأن كتابته بالإمالة تدل على خلاف ذلك . وعندي فيه أن الكتابة لا تتعلق بها الرواية فلعل الذين كتبوه بالياء هم الذين ظنوه مقصورا على أن قياسها الكتابة بالألف مطلقا لأنه واوي إلا إذا أريد عدم التباس الألف بألف النصب . ورأى البصريين أرجح من ناحية تصاريف هذا اللفظ . وذهب الكوفيون إلى أن أصله وسم بكسر الواو لأنه من السمة وهي العلامة فحذفت الواو وعوضت عنها همزة الوصل ليبقى على ثلاثة أحرف ثم يتوسل بذلك إلى تخفيفه في الوصل وكأنهم رأوا أن لا وجه لاشتقاقه من السمو لأنه قد يستعمل لأشياء غير سامية وقد علمت وجه الجواب ورأى الكوفيين أرجح من جانب الاشتقاق دون التصريف على أن همزة الوصل لم يعهد دخولها على ما حذف صدره . وردوا استدلال البصريين بتصاريفه بأنها يحتمل أن تكون تلك التصاريف من القلب المكاني بأن يكون أصل اسم وسم ثم نقلت الواو التي هي فاء الكلمة فجعلت لاما ليتوسل بذلك إلى حذفها ورد في تصرفاته في الموضع الذي حذف منه لأنه تنوسي أصله وأجيب عن ذلك بأن هذا بعيد لأنه خلاف الأصل وبأن القلب لا يلزم الكلمة في سائر تصاريفها وإلا لما عرف أصل تلك الكلمة . وقد اتفق علماء اللغة على أن التصاريف هي التي يعرف بها الزائد من الأصلي والمنقلب من غيره . وزعم ابن حزم في كتاب الملل والنحل أن كلا قولي البصريين والكوفيين فاسد افتعله النحاة ولم يصح عن العرب وأن لفظ الاسم غير مشتق بل هو جامد وتطاول ببذاءته عليهم وهي جرأة عجيبة وقد قال تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
وإنما أقحم لفظ اسم مضافا إلى علم الجلالة إذ قيل : بسم الله ولم يقل بالله لأن المقصود أن يكون الفعل المشروع فيه من شؤون أهل التوحيد الموسومة باسم الإله الواحد فلذلك تقحم كلمة اسم في كل ما كان على هذا المقصد كالتسمية على النسك قال تعالى ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) وقال ( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) وكالأفعال التي يقصد بها التيمن والتبرك وحصول المعونة مثل ( اقرأ باسم ربك ) فاسم الله هو الذي تمكن مقارنته للأفعال لا ذاته ففي مثل هذا لا يحسن أن يقال بالله لأنه حينئذ يكون المعنى أنه يستمد من الله تيسيرا وتصرفا من تصرفات قدرته وليس ذلك هو المقصود بالشروع فقوله تعالى ( فسبح باسم ربك العظيم ) أمر بأن يقول سبحان الله وقوله ( وسبحه ) أمر بتنزيه ذاته وصفاته عن النقائص فاستعمال لفظ الاسم في هذا بمنزلة استعمال سمات الإبل عند القبائل وبمنزلة استعمال القبائل شعار تعارفهم واستعمال الجيوش شعارهم المصطلح عليه . والخلاصة أن كل مقام يقصد فيه التيمن والانتساب إلى الرب الواحد الواجب الوجود يعدى فيه الفعل إلى لفظ اسم الله كقوله ( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) وفي الحديث في دعاء الاضطجاع " باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه " وكذلك المقام الذي يقصد فيه ذكر اسم الله تعالى كقوله تعالى ( فسبح باسم ربك العظيم ) أي قل سبحان الله ( سبح اسم ربك الأعلى ) وكل مقام يقصد فيه طلب التيسير والعون من الله تعالى يعدى الفعل المسؤول إلى علم الذات باعتبار ما له من صفات الخلق والتكوين كما في قوله تعالى ( فاسجد له ) وقوله في الحديث " اللهم بك نصبح وبك نمسي " أي بقدرتك ومشيئتك وكذلك المقام الذي يقصد فيه توجه الفعل إلى الله تعالى كقوله تعالى ( فاسجد له ) ( وسبحه ) أي نزه ذاته وحقيقته عن النقائص . فمعنى بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ قراءة ملابسه لبركة هذا الاسم المبارك .
هذا وقد ورد في استعمال العرب توسعات في إطلاق لفظ الاسم مرة يعنون به ما يرادف المسمى كقول النابغة : .
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدي إلى غرائب الأشعار يعني أن السفاهة هي هي لا تعرف للناس بأكثر من اسمها وهو قريب من استعمال اسم الإشارة في قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) أي مثل ذلك الجعل الواضح الشهير ويطلقون الاسم مقحما زائدا كما في قول لبيد : " إلى الحول ثم اسم السلام عليكما " يعني ثم السلام عليكما وليس هذا خاصا بلفظ الاسم بل يجيء فيما يرادفه مثل الكلمة في قوله تعالى ( وألزمهم كلمة التقوى ) وكذلك " لفظ " في قول بشار هاجيا : A E