وأما تسميتها السبع المثاني فهي تسمية ثبتت بالسنة ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى " أن رسول الله قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " ووجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري فقال هي ثمان آيات وإلا الحسين الجعفي فقال هي ست آيات وقال بعض الناس تسع آيات ويتعين حينئذ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آيات ومن عد البسملة أدمج آيتين . وأما وصفها بالمثاني فهو مفاعل جمع مثنى بضم الميم وتشديد النون أو مثنى مخفف مثنى أو مثنى بفتح الميم مخفف مثني كمعنى مخفف معني ويجوز تأنيث الجميع كما نبه عليه السيد الجرجاني في شرح الكشاف وكل ذلك مشتق من التثنية وهي ضم ثان إلى أول . ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة كذا في الكشاف . قيل وهو مأثور عن عمر بن الخطاب وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة ولعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة فإن الصلوات فرضت ركعتين ثم أقرت صلاة السفر وأطيلت صلاة الحضر كذا ثبت في حديث عائشة في الصحيح وقيل العكس وقيل لأنها تثنى في الصلاة أي تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير بناء على ما شاع عند العرب من استعمال المثني في مطلق المكرر نحو " ثم ارجع البصر كرتين " وقولهم لبيك وسعديك وعليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى ( كتابا متشابها مثاني ) أي مكرر القصص والأغراض . وقيل سميت المثاني لأنها ثنيت في النزول فنزلت بمكة ثم نزلت في المدينة وهذا قول بعيد جدا وتكرر النزول لا يعتبر قائله وقد اتفق على أنها مكية فأي معنى لإعادة نزولها بالمدينة .
وهذه السورة وضعت في أول السور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما علمت آنفا وذلك شأن الديباجة من براعة الاستهلال . وهذه السورة مكية باتفاق الجمهور وقال كثير إنها أول سورة نزلت والصحيح أنه نزل قبلها ( اقرأ باسم ربك ) وسورة المدثر ثم الفاتحة وقيل نزل قبلها أيضا ( ن والقلم ) وسورة المزمل وقال بعضهم هي أول سورة نزلت كاملة أي غير منجمة بخلاف سورة " القلم " وقد حقق بعض العلماء أنها نزلت عند فرض الصلاة فقرأ المسلمون بها في الصلاة عند فرضها وقد عدت في رواية عن جابر بن زيد السورة الخامسة في ترتيب نزول السور . وأيا ما كان فإنها قد سماها النبي A فاتحة الكتاب وأمر بأن تكون أول القرآن .
قلت : ولا يناكد ذلك نزولها بعد سور أخرى لمصلحة اقتضت سبقها قبل أن يتجمع من القرآن مقدار يصير به كتابا فحين تجمع ذلك أنزلت الفاتحة لتكون ديباجة الكتاب . وأغراضها قد علمت من بيان وجه تسميتها أم القرآن .
وهي سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري قال هي ثمان آيات ونسب أيضا لعمرو بن عبيد وإلى الحسين الجعفي قال هي ست آيات ونسب إلى بعضهم غير معين أنها تسع آيات وتحديد هذه الآيات السبع هو ما دل عليه حديث الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله A قال " قال الله D قسمت الصلاة نصفين بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد ( الحمد لله رب العالمين ) فأقول حمدني عبدي فإذا قال العبد ( الرحمن الرحيم ) يقول الله أثنى علي عبدي وإذا قال العبد ( مالك يوم الدين ) قال الله مجدني عبدي وإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال الله : هذا بيني وبين عبدي وإذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال الله " هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل " اه .
فهن ثلاث ثم واحدة ثم ثلاث فعند أهل المدينة لا تعد البسملة آية وتعد ( أنعمت عليهم ) آية وعند أهل مكة وأهل الكوفة تعد البسملة آية وتعد ( أنعمت عليهم ) جزء آية والحسن البصري عد البسملة آية وعد ( أنعمت عليهم ) آية .
الكلام على البسملة .
A E