واشتملت هذه السورة من الأغراض : على الابتداء بالتنويه بالقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم وتقسيم آيات القرآن ومراتب الأفهام في تلقيها والتنويه بفضيلة الإسلام وأنه لا يعدله دين وأنه لا يقبل دين عند الله بعد ظهور الإسلام غير الإسلام والتنويه بالتوراة والإنجيل والإيماء إلى أنهما أنزلا قبل القرآن تمهيدا لهذا الدين فلا يحق للناس أن يكفروا به وعلى التعريف بدلائل إلهية الله تعالى وانفراده وإبطال ضلالة الذين اتخذوا آلهة من دون الله : من جعلوا له شركاء أو اتخذوا له أبناء وتهديد المشركين بأن أمرهم إلى زوال وألا يغرهم ما هم فيه من البذخ وأن ما أعد للمؤمنين خير من ذلك وتهديدهم بزوال سلطانهم ثم الثناء على عيسى عليه السلام وآل بيته وذكر معجزة ظهوره وأنه مخلوق لله وذكر الذين آمنوا به حقا وإبطال إلهية عيسى ومن ثم أفضى إلى قضية وفد نجران ولجاجتهم ثم محاجة أهل الكتابين في حقيقة الحنفية وأنهم بعداء عنها وما أخذ الله من العهد على الرسل كلهم : أن يؤمنوا بالرسول الخاتم وأن الله جعل الكعبة أول بيت وضع للناس وقد أعاد إليه الدين الحنيف كما ابتدأه فيه وأوجب حجه على المؤمنين وأظهر ضلالات اليهود وسوء مقالتهم وافترائهم في دينهم وكتمانهم ما أنزل إليهم . وذكر المسلمين بنعمته عليهم بدين الإسلام وأمرهم بالاتحاد والوفاق وذكرهم بسابق سوء حالهم في الجاهلية وهون عليهم تظاهر معانديهم من أهل الكتاب والمشركين وذكرهم بالحذر من كيدهم وكيد الذين أظهروا الإسلام ثم عادوا إلى الكفر فكانوا مثلا لتمييز الخبيث من الطيب وأمرهم بالاعتزاز بأنفسهم والصبر على تلقي الشدائد والبلاء وأذى العدو ووعدهم على ذلك بالنصر والتأييد وإلقاء الرعب منهم في نفوس عدوهم ثم ذكرهم بيوم أحد ويوم بدر وضرب لهم الأمثال بما حصل فيهما ونوه بشأن الشهداء من المسلمين وأمر المسلمين بفضائل الأعمال : من بذل المال في مواساة الأمة والإحسان وفضائل الأعمال وترك البخل ومذمة الربا وختمت السورة بآيات التفكير في ملكوت الله .
وقد علمت أن سبب نزول هذه السورة قضية وفد نجران من بلاد اليمن .
ووفد نجران هم قوم من نجران بلغهم مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وكان أهل نجران متدينين بالنصرانية وهم من أصدق العرب تمسكا بدين المسيح وفيهم رهبان مشاهير وقد أقاموا للمسيحية كعبة ببلادهم هي التي أشار إليها الأعشى حين مدحهم بقوله : .
" فكعبة نجران حتم عليك حتى تناخي بأبوابها فاجتمع وفد منهم يرأسه العاقب فيه ستون رجلا وأسمه عبد المسيح وهو أمير الوفد ومعه السيد واسمه الأيهم وهو ثمال القوم وولي تدبير الوفد ومشيره وذو الرأي فيه وفيهم أبو حارثة بن علقمة البكري وهو أسقفهم وصاحب مدارسهم وولي دينهم وفيهم أخو أبي حارثة ولم يكن من أهل نجران ولكنه كان ذا رتبة : شرفه ملوك الروم ومولوه . فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم وجادلهم في دينهم وفي شأن إلوهية المسيح فلما قامت الحجة عليهم أصروا على كفرهم وكابروا فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة فأجابوا ثم استعظموا ذلك وتخلصوا منه ورجعوا إلى أوطانهم ونزلت بضع وثمانون آية من أول هذه السورة في شأنهم كما في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق . وذكر ذلك الواحدي والفخر فمن ظن من أهل السير أن وفد نجران وفدوا في سنة تسع فقد وهم وهما انجر إليه من اشتهار سنة تسع بأنها سنة الوفود . والإجماع على أن سورة آل عمران من أوائل المدنيات وترجيح أنها نزلت في وفد نجران يعينان أن وفد نجران كان قبل سنة الوفود .
( ألم [ 1 ] ) A E