وفي الآية محسن الاستخدام التقديري لأن سوق الإبطال بطريق القصر بقوله ( هو الأبتر ) نفي وصل الأبتر عن النبي A ولكن بمعنى غير المعنى الذي عناه شانئه فهو استخدام ينشأ من صيغة القصر بناء على أن ليس الاستخدام منحصر في استعمال الضمير في غير معنى معاده على ما حققه أستاذنا العلامة سال أبو حاجب وجعله وجها في واو العطف من قوله تعالى ( وجاء ربك والملك ) لأن العطف بمعنى إعادة العامل فكأنه قال : وجاء الملك وهو مجيء مغاير لمعنى مجيء الله تعالى قال وقد سبقنا الخفاجي إلى ذلك إذ أجراه في حرف الاستثناء في طراز المجالس في قول محمد الصالحي من شعراء الشام : .
وحديث حبي ليس بال ... منسوخ إلا في الدفاتر والشانئ : المبغض وهو فاعل من الشناءة وهي البغض ويقال فيه : الشنآن وهو يشمل كل مبغض له من أهل الكفر فكلهم بتر من الخير ما دام فيه شنآن للنبي A فأما من أسلموا منهم فقد أنقلب بعضهم محبة له واعتزازا به .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الكافرون .
عنونت هذه السورة في المصاحف التي بأيدينا قديمها وحديثها وفي معظم التفاسير ( سورة الكافرون ) بإضافة ( سورة ) إلى ( الكافرون ) وثبوت واو الرفع في ( الكافرون ) على حكاية لفظ القرآن الواقع في أولها .
ووقع في الكشاف وتفسير ابن عطية وحرز الأماني ( سورة الكافرون ) بياء الخفض في لفظ ( الكافرين ) بإضافة ( سورة ) إليه أن المراد سورة ذكر الكافرين أو نداء الكافرين وعنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه سورة ( قل يا أيها الكافرون ) .
قال في الكشاف والإتقان : وتسمى هي وسورة قل هو الله أحد بالمشققشتين لأنهما تشقشقان من الشرك أي تبرئان منه يقال : قشقش إذ أزال المرض .
وتسمى أيضا سورة الإخلاص فيكون هذان الاسمان مشتركين بينها وبين سورة قل هو الله أحد .
وقد ذكر في سورة براءة أن سورة براءة تسمى المقشقشة لأنها تقشقش أي تبرئ من النفاق فيكون هذا مشتركا بين السور الثلاث فيحتاج إلى التمييز .
وقال سعد الله المعروف بسعدي عن جمال القراء أنها تسمى سورة العبادة وفي بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي تسمى ( سورة الدين ) .
وهي مكية بالاتفاق في حكاية ابن عطية وابن كثير وروي عن ابن الزبير أنها مدنية .
وقد عدت الثامنة عشرة في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الماعون وقبل سورة الفيل .
A E وعدد آياتها ست .
أغراضها .
وسبب نزولها فيما حكاه الواحدي في أسباب النزول وابن إسحاق في السيرة أن رسول الله A كان يطوف في الكعبة فاعترضه الأسود بن المطلب بن أسد والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل . وكانوا ذوي أسنان في قومهم فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد سنة وتعبد ما نعبد سنة فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظه منا وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه فقال : معاذ الله أن أشرك به غيره فأنزل الله فيهم ( قل يا أيها الكافرون ) السورة كلها فغدا رسول الله A إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأها عليهم فيئسوا منه عند ذلك " وإنما عرضوا عليه ذلك لأنهم رأوا حرصه على أن يؤمنوا فطمعوا أن يستزلوه إلى الاعتراف بإلهية أصنامهم " .
وعن ابن عباس : فيئسوا منه وآذوه وآذوا أصحابه .
وبهذا يعلم الغرض الذي اشتملت عليه وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال وأن دين الإسلام لا يخالط شيئا من دين الشرك .
( قل يا أيها الكافرون [ 1 ] لا أعبد ما تعبدون [ 2 ] ولا أنتم عابدون ما أعبد [ 3 ] ) افتتاحها ب ( قل ) للاهتمام بما بعد القول بأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص منصوص فيه على أنه مرسل بقول يبلغه وإلا فإن القرآن كله مأمور بإبلاغه ولهذه الآية نظائر في القرآن مفتتحة بالأمر بالقول في غير جواب عن سؤال منها ( قل يا أيها الذين هادوا أن زعمتم أنكم أولياء لله ) في سورة الجمعة . والسور المفتتحة بالأمر بالقول خمس سور : قل أوحي وسورة الكافرون وسورة الإخلاص والمعوذتان فالثلاث الأول لقول يبلغه والمعوذتان لقول يقوله لتعويذ نفسه