والخطاب للنبي A كما يقتضيه قوله ( ربك ) . فمهيع هذه الآية شبيه بقوله تعالى ( ألم يجدك يتيما فآوى ) الآيات وقوله ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) على أحد الوجوه المتقدمة .
فالرؤية يجوز أن تكون مجازية مستعارة للعلم البالغ من اليقين حد الأمر المرئي لتواتر ما فعل الله بأصحاب الفيل بين أهل مكة وبقاء بعض آثار ذلك يشاهدونه . وقال أبو صالح : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة سودا مخططة بحمرة . وقال عتاب بن أسيد : أدركت سائس الفيل وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس . وقالت عائشة : لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس . وفعل الرؤية معلق بالاستفهام .
ويجوز أن تكون الرؤية بصرية بالنسب لمن تجاوز سنه نيفا وخمسين سنة عند نزول الآية ممن شهد حادث الفيل غلاما أو فتى مثل أبي قحافة وأبي طالب وأبي بن خلف .
و ( كيف ) للاستفهام سد مسد مفعولين أو مفعول ( تر ) أي لم تر جواب هذا الاستفهام كما تقول : هل زيد قائم ؟ وهو نصب على الحال من فاعل ( تر ) . ويجوز أن يكون كيف مجردا عن معنى الاستفهام مرادا منه مجرد الكيفية فيكون نصبا على المفعول به .
A E وإيثار ( كيف ) دون غيره من أسماء الاستفهام أو الموصول فلم يقل : ألم تر ما فعل ربك أو الذي فعل ربك للدلالة على حالة عجيبة يستحضرها من يعلم تفصيل القصة .
وأوثر لفظ ( فعل ربك ) دون غيره لأن مدلول هذا الفعل يعم أعمالا كثيرة لا يدل عليها غيره .
وجيء في تعريف الله سبحانه بوصف ( رب ) مضافا إلى ضمير النبي A إيماء إلى أن المقصود من التذكير بهذه القصة تكريم النبي A إرهاصا لنبوته إذ كان ذلك عام مولده .
وأصحاب الفيل : الحبشة الذين جاءوا مكة غازين مضمرين هدم الكعبة انتقاما من العرب من أجل ما فعله أحد بني كنانة الذين كانوا أصحاب النسيء في أشهر الحج . وكان خبر ذلك وسببه أن الحبشة قد ملكوا اليمن بعد واقعة الأخدود التي عذب فيها الملك ذو نواس النصاري وصار أمير الحبشة على اليمن رجلا يقال له " أبرهة " وأن أبرهة بنى كنيسة عظيمة في صنعاء دعاها القليس " بفتح القاف وكسر اللام بعدها تحتية ساكنة . وبعضهم يقولها بضم القاف وفتح اللام وسكون التحتية . وفي القاموس بضم القاف وتشديد اللام مفتوحة وسكون الياء . وكتبه السهيلي بنون بعد اللام ولم يضبطه وزعم أنه اسم مأخوذ من معاني القلس للارتفاع . ومنه القلنسوة واقتصر على ذلك ولم أعرف أصل هذا اللفظ فإما أن يكون اسم جنس للكنيسة ولعل لفظ كنيسة في العربية معرب منه وإما أن يكون علما وضعوه لهذه الكنيسة الخاصة " وأراد أن يصرف حج العرب إليها دون الكعبة فروي أن رجلا من بني فقيم من بني كنانة وكانوا أهل النسيء للعرب كما تقدم عند قوله تعالى ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) في سورة براءة قصد الكناني صنعاء حتى جاء القليس فأحدث فيها تحقيرا لها ليتسامع العرب بذلك فغضب أبرهة وأزمع غزو مكة ليهدم الكعبة وسار حتى نزل خارج مكة ليلا بمكان يقال له المغمس " كمعظم موضع قرب مكة في طريق الطائف " أو ذو الغميس " لم أر ضبطه " وأرسل إلى عبد المطلب ليحذره من أن يحاربوه وجرى بينهما كلام وأمر عبد المطلب آله وجميع أهل مكة بالخروج منها إلى الجبال المحيطة بها خشية من معرة الجيش إذا دخلوا مكة . فلما أصبح هيأ جيشه لدخول مكة وكان أبرهة راكبا فيلا وجيشه معه فبينا هو يتهيأ لذلك إذ أصاب جنده داء عضال هو الجدري الفتاك يتساقط منه الأنامل ورأوا قبل ذلك طيرا ترميهم بحجارة لا تصيب أحدا إلا هلك وهي طير من جند الله فهلك معظم الجيش وأدبر بعضهم ومرض " أبرهة " فقفل راجعا إلى صنعاء مريضا . فهلك في صنعاء وكفى الله أهل مكة أمر عدوهم . وكان ذلك في شهر محرم الموافق لشهر شباط فبراير سنة 570 بعد ميلاد عيسى عليه السلام وبعد هذا الحادث بخمسين يوما ولد النبي A على أصح الأخبار وفيها اختلاف كثير