و ( كلا ) إبطال لأن يكون المال مخلدا لهم . وزجر عن التلبس بالحالة الشنيعة التي جعلتهم في حال من يحسب أن المال يخلد صاحبه أو إبطال للحرص في جمع المال جمعا يمنع به حقوق الله في المال من نفقات وزكاة .
( لينبذن في الحطمة [ 4 ] وما أدريك ما الحطمة [ 5 ] نار الله الموقدة [ 6 ] التي تطلع على الأفئدة [ 7 ] ) استئناف بياني ناشئ عن ما تضمنته جملة ( يحسب أن ماله أخلده ) من التهكم والإنكار وما أفاده حرف الزجر من معنى التوعد .
والمعنى : ليهلكن فلينبذن في الحطمة .
واللام جواب قسم محذوف . والضمير عائد إلى الهمزة .
والنبذ : الإلقاء والطرح وأكثر استعماله في إلقاء ما يكره . قال صاحب الكشاف في قوله تعالى ( فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ) شبههم استحقارا لهم بحصيات أخذهن آخذ بكفه فطرحهن اه .
والحطمة : صفة بوزن فعلة مثل ما تقدم في الهمزة أي لينبذن في شيء يحطمه أي يكسره ويدقه .
والظاهر أن اللام لتعريف العهد لأنه اعتبر الوصف علما بالغلبة على شيء يحطم وأريد بذلك جهنم وأن إطلاق هذا الوصف على جهنم من مصطلحات القرآن . وليس في كلام العرب إطلاق هذا الوصف على النار .
فجملة ( وما أدراك ما الحطمة ) في موضع حال من قوله ( الحطمة ) والرابط إعادة لفظ الحطمة وذلك إظهار في مقام الإظمار للتهويل كقوله ( الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة ) وما فيها من الاستفهام وفعل الدراية يفيد تهويل الحطمة وقد تقدم ( ما أدراك ) غير مرة منها عند قوله ( وما أدراك ما يوم الدين ) في سورة الانفطار .
A E وجملة ( نار الله الموقدة ) جواب على جملة ( وما أدراك ما الحطمة ) مفيد مجموعهما بيان الحطمة ما هي وموقع الجملة موقع الاستئناف البياني والتقدير هي أي الحطمة نار الله فحذف المبتدأ من الجملة جريا على طريقة استعمال أمثاله من كل إخبار عن شيء بعد تقدم حديث عنه وأوصاف له وقد تقدم عند قوله تعالى ( صم بكم عمي ) في سورة البقرة .
وإضافة ( نار ) إلى اسم الجلالة للترويع بها بأنها نار خلقها القادر على خلق الأمور العظيمة .
ووصف ( نار ) ب ( موقدة ) وهو اسم مفعول من : أوقد النار إذا أشعلها وألهبها . والتوقد : ابتداء التهاب النار فإذا صارت جمرا فقد خف لهبها أو زال فوصف ( نار ) ب ( موقدة ) يفيد أنها لا تزول تلتهب ولا يزول لهيبها . وهذا كما وصفت نار الأخدود بذات الوقود " بفتح الواو " في سورة البروج أي النار التي يجد اتقادها بوقود وهو الحطب الذي يلقى في النار لتتقد فليس الوصف بالموقدة هنا تأكيدا .
ووصفت ( نار الله ) وصفا ثانيا ب ( التي تطلع على الأفئدة ) .
والاطلاع يجوز أن يكون بمعنى الإتيان مبالغة في طلع أي الإتيان السريع بقوة واستيلاء فالمعنى : التي تنفذ إلى الأفئدة فتحرقها في وقت حرق ظاهر الجسد .
وأن يكون بمعنى الكشف والمشاهدة قال تعالى ( فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) فيفيد أن النار تحرق الأفئدة إحراق العالم بما تحتوي عليه الأفئدة من الكفر فتصيب كل فؤاد بما هو كفاؤه من شدة الحرق على حسب مبلغ سوء اعتقاده وذلك بتقدير من الله بين شدة النار وقابلية المتأثر بها لا يعلمه إلا مقدره .
( إنها عليهم موصدة [ 8 ] في عمد ممددة [ 9 ] ) هذه جملة يجوز أن تكون صفة ثالثة ل ( نار الله ) بدون عاطف ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافا ابتدائيا وتأكيدها ب ( إن ) لتهويل الوعيد بما ينفي عنه احتمال المجاز أو المبالغة .
وموصدة : اسم مفعول من أوصد الباب إذا أغلقه غلقا مطبقا . ويقال : اآصد بهمزتين إحداهما أصلية والأخرى همزة التعدية ويقال : أصد الباب فعلا ثلاثيا ولا يقال : وصد بالواو بمعنى أغلق .
وقرأ الجمهور ( موصدة ) بواو بعد الميم على تخفيف الهمزة . وقرأه أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بهمزة ساكنة بعد الميم المضمومة .
ومعنى إيصادها عليهم : ملازمة العذاب واليأس من الإفلات منه كحال المساجين الذين أغلق عليهم باب السجن تمثيل تقريب لشدة العذاب بما هو متعارف في أحوال الناس وحال عذاب جهنم أشد مما يبلغه تصور العقول المعتاد