و ( سوف ) لتحقيق حصول العلم . وحذف مفعول ( تعلمون ) لظهور أن المراد : تعلمون سوء مغبة لهوكم بالتكاثر عن قبول دعوة الإسلام .
وأكد الزجر والوعيد بقوله ( ثم كلا سوف تعلمون ) فعطف عطفا لفظيا بحرف التراخي أيضا للإشارة إلى تراخي رتبة هذا الزجر والوعيد عن رتبة الزجر والوعيد الذي قبله فهذا زجر ووعيد مماثل للأول لكن عطفه بحرف ( ثم ) اقتضى كونه أقوى من الأول لأنه أفاد تحقيق الأول وتهويله .
A E فجملة ( ثم كلا سوف تعلمون ) توكيد لفظي لجملة ( كلا سوف تعلمون ) وعن ابن عباس ( كلا سوف تعلمون ) ما ينزل بكم من عذاب في القبر ( ثم كلا سوف تعلمون ) عند البعث إن ما وعدتم به صدق أي تجعل كل جملة مرادا بها تهديد بشيء خاص . وهذا من مستتبعات التراكيب والتعويل على معونة القرائن بتقدير مفعول خاص لكل من فعلي ( تعلمون ) وليس تكرير الجملة بمقتض ذلك في أصل الكلام . ومفاد التكرير حاصل على كل حال .
( كلا لو تعلمون علم اليقين [ 5 ] ) أعيد الزجر ثالث مرة زيادة في إبطال ما هم عليه من اللهو عن التدبر في أقوال القرآن لعلهم يقلعون عن انكبابهم عن التكاثر مما هم يتكاثرون فيه ولهوهم به عن النظر في دعوة الحق والتوحيد . وحذف مفعول ( تعلمون ) للوجه الذي تقدم في ( كلا سوف تعلمون ) وجواب ( لو ) محذوف .
وجملة ( لو تعلمون علم اليقين ) تهويل وإزعاج لأن حذف جواب ( لو ) يجعل النفوس تذهب في تقديره كل مذهب ممكن . والمعنى : لو تعلمون علم اليقين لتبين لكم حال مفظع عظيم وهي بيان لما في ( كلا ) من الزجر .
والمضارع في قوله ( لو تعلمون ) مراد به زمن الحال أي لو علمتم الآن علم اليقين لعلمتم أمرا عظيما .
ولفعل الشرط مع ( لو ) أحوال كثيرة واعتبارات فقد يقع بلفظ الماضي وقد يقع بلفظ المضارع وفي كليهما قد يكون استعماله في أصل معناه . وقد يكون منزلا منزلة غير معناه وهو هنا مستعمل في معناه من الحال بدون تنزيل ولا تأويل .
وإضافة ( علم ) إلى ( اليقين ) إضافة بيانية فإن اليقين علم أي لو علمتم علما مطابقا للواقع لبان لكم شنيع ما أنتم فيه ولكن علمهم بأحوالهم جهل مركب من أوهام وتخيلات وفي هذا نداء عليهم بالتقصير في اكتساب العلم الصحيح . وهذا خطاب للمشركين الذين لا يؤمنون بالجزاء وليس خطابا للمسلمين لأن المسلمين يعلمون ذلك علم اليقين . وأعلم أن هذا المركب هو ( علم اليقين ) نقل في الاصطلاح العلمي فصار لقبا لحالة من مدركات العقل وقد تقدم بيان ذلك عند تفسير قوله تعالى ( وإنه لحق اليقين ) في سورة الحاقة فارجع إليه .
( لترون الجحيم [ 6 ] ثم لترونها عين اليقين [ 7 ] ) استئناف بياني لأن ما سبقه من الزجر والردع المكرر ومن الوعيد المؤكد على إجماله يثير في نفس السامع سؤالا عما يترقب من هذا الزجر والوعيد فكان قوله ( لترون الجحيم ) جوابا عما يجيش في نفس السامع .
وليس قوله ( لترون الجحيم ) جواب ( لو ) على معنى : لو تعلمون علم اليقين لكنتم كمن ترون الجحيم أي لترونها بقلوبكم لأن نظم الكلام صيغة قسم بدليل قرنه بنون التوكيد فليست هذه اللام لام جواب ( لو ) لأن جواب ( لو ) ممتنع الوقوع فلا تقترن به نون التوكيد .
والإخبار عن رؤيتهم الجحيم كناية عن الوقوع فيها فإن الوقوع في الشيء يستلزم رؤيته فيكنى بالرؤية عن الحضور كقول جعفر بن علبة الحارثي : .
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة ... يرى غمرات الموت ثم يزورها وأكد ذلك بقوله ( ثم لترونها عين اليقين ) قصدا لتحقيق الوعيد بمعناه الكنائي . وقد عطف هذا التأكيد ب ( ثم ) التي هي للتراخي الرتبي على نحو ما قررناه آنفا في قوله ( ثم كلا سوف تعلمون ) وليس هنالك رؤيتان تقع إحداهما بعد الأخرى بمهلة .
وعين اليقين : اليقين الذي لا يشوبه تردد . فلفظ عين مجاز عن حقيقة الشيء الخالصة غير الناقصة ولا المشابهة .
وإضافة ( عين ) إلى ( اليقين ) بيانية كإضافة ( حق ) إلى ( اليقين ) في قوله تعال ( إن هذا لهو حق اليقين ) .
وقرأه الجمهور ( لترون الجحيم ) بفتح المثناة الفوقية . وقرأه ابن عامر والكسائي بضم المثناة من ( أراه ) .
وأما ( لترونها ) فلم يختلف القراء في قراءته بفتح المثناة