اشتملت على التوبيخ على اللهو عن النظر في دلائل القرآن ودعوة الإسلام بإيثار المال والتكاثر به والتفاخر بالأسلاف وعدم الإقلاع عن ذلك إلى أن يصيروا في القبور كما صار من كان قبلهم وعلى الوعيد على ذلك .
وحثهم على التدبير فيما ينجيهم من الجحيم .
وأنهم مبعوثون ومسؤولون عن إهمال شكر المنعم العظيم .
( ألهيكم التكاثر [ 1 ] حتى زرتم المقابر [ 2 ] كلا سوف تعلمون [ 3 ] ثم كلا سوف تعلون [ 4 ] ) ( ألهاكم ) أي شغلكم عما يجب عليكم الاشتغال به لأن اللهو شغل يصرف عن تحصيل أمر مهم .
A E والتكاثر : تفاعل في الكثر أي التباري في الإكثار من شيء مرغوب في كثرته فمنه تكاثر في الأموال ومنه تكاثر في العدد من الأولاد والأحلاف للاعتزاز بهم . وقد فسرت الآية بهما قال تعالى ( وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ) .
وقال الأعشى : .
ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر روى مسلم عن عبد الله بن الشخير قال " انتهيت إلى رسول الله A وهو يقول ( ألهاكم التكاثر ) قال : يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك يابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت " فهذا جار مجرى التفسير لمعنى من معاني التكاثر اقتضاه حال الموعظة ساعتئذ وتحتمه الآية .
والخطاب للمشركين بقرينة غلظة الوعيد بقوله ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) وقوله ( لترون الجحيم ) إلى آخر السورة ولأن هذا ليس من خلق المسلمين يومئذ .
والمراد بالخطاب : سادتهم وأهل الثراء منهم لقوله ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) ولأن سادة المشركين هم الذين آثروا ما هم فيه من النعمة على التهمم بتلقي دعوة النبي A فتصدوا لتكذيبه وإغراء الدهماء بعدم الإصغاء له . فلم يذكر الملهى عنه لظهور أنه القرآن والتدبر فيه والإنصاف بتصديقه . وهذا الإلهاء حصل منهم وتحقق كما دل عليه حكايته بالفعل الماضي .
وإذا كان الخطاب للمشركين فلأن المسلمين يعلمون أن التلبس بشيء من هذا الخلق مذموم عند الله وأنه من خصال أهل الشرك فيعلمون أنهم محذرون من التلبس بشيء من ذلك فيحذرون من أن يلهيهم حب المال عن شيء من فعل الخير ويتوقعون أن يفاجئهم الموت وهم لهون عن الخير قال تعالى يخاطب المؤمنين ( اعلموا أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) الآية .
وقوله ( حتى زرتم المقابر ) غاية فيحتمل أن يكون غاية لفعل ( ألهاكم ) كما في قوله تعالى ( قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) أي دام إلهاء التكاثر إلى أن زرتم المقابر أي استمر بكم طول حياتكم فالغاية مستعملة في الإحاطة بأزمان المغيا لا في تنهيته وحصول ضده لأنهم إذا صاروا إلى المقابر انقطعت أعمالهم كلها .
ولكون زيارة المقابر على هذا الوجه عبارة عن الحلول فيها أي قبور المقابر . وحقيقة الزيارة الحلول في المكان حلولا غير مستمر فأطلق فعل الزيارة هنا تعريضا بهم بأن حلولهم في المقابر يعقبهم خروج منها .
والتعبير بالفعل الماضي في ( زرتم ) لتنزيل المستقبل منزلة الماضي لأنه محقق وقوعه مثل قوله ( أتى أمر الله ) .
ويحتمل أن تكون الغاية للمتكاثر به الدال عليه التكاثر أي بكل شيء حتى بالقبور تعدونها . وهذا يجري على ما روى مقاتل والكلبي أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا بكثرة السادة منهم كما تقدم في سبب نزولها آنفا فتكون الزيارة مستعملة في معناها الحقيقي أي زرتم المقابر لتعدوا القبور والعرب يكنون بالقبر عن صاحبه قال النابغة : .
لئن كان للقبرين قبر بجلق ... وقبر بصيداء الذي عند حاربي وقال عصام بن عبيد الزماني أو همام الرقاشي : .
لو عد قبر كنت أقربهم ... قبرا وأبعدهم من منزل الذام أي كنت أقربهم منك قبرا أي صاحب قبر .
والمقابر جمع مقبرة بجمع الموحدة وبضمها . والمقبرة الأرض التي فيها قبور كثيرة .
والتوبيخ الذي استعمل فيه الخبر أتبع بالوعيد على ذلك بعد الموت وبحرف الزجر والإبطال بقوله ( كلا سوف تعلمون ) فأفاد ( كلا ) زجرا وإبطالا لإنهاء التكاثر