واسم الإشارة في قوله ( وذلك دين القيمة ) متوجه إلى ما بعد حرف الاستثناء فإنه مقترن باللام المسماة " لام أن " المصدرية فهو في تأويل مفرد أي إلا بعبادة الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أي والمذكور دين القيمة .
و ( دين القيمة ) يجوز أن تكون إضافة على بابها فتكون ( القيمة ) مرادا به غير المراد بدين مما هو مؤنث اللفظ مما يضاف إليه دين أي دين الأمة القيمة أو دين الكتب القيمة . ويرجح هذا التقدير أن دليل المقدر موجود في اللفظ قبله . وهذا إلزام لهم بأحقية الإسلام وأنه الدين القيم قال تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ) .
ويجوز أن تكون الإضافة صورية من إضافة الموصوف إلى الصفة وهي كثيرة الاستعمال وأصله الدين القيم فأنث الوصف على تأويل دين بملة أو شريعة أو على أن التاء للمبالغة في الوصف مثل تاء علامة والمآل واحد وعلى كلا التقديرين فالمراد بدين القيمة دين الإسلام .
والقيمة : الشديدة الاستقامة وقد تقدم آنفا .
فالمعنى : وذلك المذكور هو دين أهل الحق من الأنبياء وصالحي الأمم وهو عين ما جاء به الإسلام قال تعالى ( ولكن كان حنيفا مسلما ) وقال عنه وعن إسماعيل ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) . وحكى عنه وعن يعقوب قولهما ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وقال سليمان ( وكنا مسلمين ) .
وقد مضى القول في ذلك عند قوله تعالى ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) في سورة البقرة .
والإشارة بذلك إلى الذي أمروا به أي مجموع ما ذكر هو دين الإسلام أي هو الذي دعاهم إليه الإسلام فحسبوه نقضا لدينهم فيكون مهيع الآية مثل قوله تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) وقوله ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) .
والمقصود إقامة الحجة على أهل الكتاب وعلى المشركين تبعا لهم بأنهم أعرضوا عما هم يتطلبونه فإنهم جميعا مقرون بأن الحنيفية هي الحق الذي أقيمت عليه الموسوية والعيسوية والمشركون يزعمون أنهم يطلبون الحنيفية ويأخذون بما أدركوه من بقاياها ويزعمون أن اليهودية والنصرانية تحريف للحنيفية فلذلك كان عامة العرب غير متهودين ولا متنصرين ويتمسكون بما وجدوا آباءهم متمسكين به وقل منهم من تهودوا أو تنصروا وذهب نفر منهم يتطلبون آثار الحنيفية مثل زيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن أبي الصلت .
وخص الضمير ب ( أهل الكتاب ) لأن المشركين لم يؤمروا بذلك قبل الإسلام قال تعالى ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ) .
( إن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [ 6 ] ) بعد أن أنحى على أهل الكتاب والمشركين معا خص أهل الكتاب بالطعن في تعللاتهم والإبطال لشبهاتهم التي يتابعهم المشركون عليها أعقبه بوعيد الفريقين جمع بينهما كما ابتدأ الجمع بينهما في أول السورة لأن ما سبق من الموعظة والدلالة كاف في تدليل أنفسهم للموعظة .
فالجملة استئناف ابتدائي وقدم أهل الكتاب على المشركين في الوعيد استتباعا لتقديمهم عليهم في سببه كما تقدم في أول السورة ولأن معظم الرد كان موجها إلى أحوالهم في قوله ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) إلى قوله ( دين القيمة ) ولأنه لو آمن أهل الكتاب لقامت الحجة على أهل الشرك .
و ( من ) بيانية مثل التي في قوله ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) للرد على أهل الكتاب الذين يزعمون أنهم لا تمسهم النار إلا أياما معدودة فإن الظرفية التي اقتضتها ( في ) تفيد أنهم غير خارجين منها وتأكد ذلك بقوله ( خالدين فيها ) وأما المشركون فقد أنكروا الجزاء رأسا .
والإخبار عنهم بالكون في نار جهنم إخبار بما يحصل في المستقبل بقرينة مقام الوعيد فإن الوعيد كالوعد يتعلق بالمستقبل وإن كان شأن الجملة الاسمية غير المقيدة بما يعين زمان وقوعها أن تفيد حصول مضمونها في الحال كما تقول : زيد في نعمة .
A E