وليلة القدر : اسم جعله الله لليلة التي ابتدئ فيها نزول القرآن ويظهر أن أول تسميتها بهذا الاسم كان في هذه الآية ولم تكن معروفة عند المسلمين وبذلك يكون ذكرها بهذا الاسم تشويقا لمعرفتها ولذلك عقب قوله ( وما أدراك ما ليلة القدر ) .
والقدر : الذي عرفت الليلة بالاضافة إليه هو بمعنى الشرف والفضل كما قال تعالى في سورة الدخان ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) أي ليلة القدر والشرف عند الله تعالى مما أعطاها من البركة فتلك ليلة جعل الله لها شرفا فجعلها مظهرا لما سبق به علمه فجعلها مبدأ الوحي إلى النبي A .
والتعريف في ( القدر ) تعريف الجنس . ولم يقل : في ليلة قدر بالتنكير لأنه قصد جعل هذا المركب بمنزلة العلم لتلك الليلة كالعلم بالغلبة لآن تعريف المضاف إليه باللام مع تعريف المضاف بالإضافة أوغل في جعل ذلك المركب لقبا لاجتماع تعريفين فيه .
وقد ثبت أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) . ولا شك أن المسلمين كانوا يعلمون ذلك إذ كان نزول هذه السورة قبل نزول سورة البقرة بسنين إن كانت السورة مكية أو بمدة أقل من ذلك إن كانت السورة مدنية فليلة القدر المرادة هنا كانت في رمضان وتأيد ذلك بالأخبار الصحيحة من كونها من ليال رمضان في كل سنة .
وأكثر الروايات أن الليلة التي أنزل فيها القرآن على النبي A كانت ليلة سبعه عشرة من رمضان . وسيأتي في تفسير الآيات عقب هذا الكلام في هل ليلة ذات عدد متماثل في جميع الأعوام أو تختلف في السنين ؟ وفي هل تقع في واحدة من جميع ليالي رمضان أو لا تخرج عن العشر الأواخر منه ؟ وهل هي مخصوصة بليلة وتر كما كانت أول مرة أو لا تختص بذلك ؟ والمقصود من تشريف الليلة التي كان ابتداء إنزال القرآن فيها تشريف آخر للقرآن بتشريف زمان ظهوره تنبيها على أنه تعالى اختار لابتداء إنزاله وقتا شريفا مباركا لأن عظم قدر الفعل يقتضي أن يختار لإيقاعه فضل الأوقات والأمكنة فاختيار فضل الأوقات لابتداء إنزاله ينبئ عن علو قدره عند الله تعالى كقوله ( لا يمسه إلا المطهرون ) على الوجهين في المراد من المطهرين .
( وما أدريك ما ليلة القدر [ 2 ] ) تنويه بطريق الإبهام المراد به أن إدراك كنهها ليس بالسهل لما ينطوي عليه من الفضائل الجمة .
وكلمة ( ما أدراك ما كذا ) كلمة تقال في تفخيم الشيء وتظيمه والمعنى : أي شيء يعرفك ما هي ليلة القدر أي يعسر على شيء أن يعرفك مقدارها وقد تقدمت غير مرة منها قوله ( وما أدراك ما يوم الدين ) في سورة الانفطار قريبا . والواو واو الحال .
وأعيد اسم ( ليلة القدر ) الذي سبق قريبا في قوله ( في ليلة القدر ) على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضى الظاهر الإضمار فقصد الاهتمام بتعيينها فحصل تعظيم ليلة القدر صريحا وحصلت كتابة عن تعظيم ما أنزل فيها وأن الله اختار إنزاله فيها ليتطابق الشرفان .
( ليلة القدر خير من ألف شهر [ 3 ] ) بيان أول لشيء من الإبهام الذي في قوله ( وما أدراك ما ليلة القدر ) مقل البيان في قوله ( وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام ) الآية . فلذلك فصلت الجملة لأنها استئناف بياني أو لأنها كعطف البيان .
A E