هذا فذلكة للكلام المتقدم من قوله ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) أي لا تترك صلاتك في المسجد الحرام ولا تخش منه .
وأطلقت الطاعة على الحذر الباعث على الطاعة على طريق المجاز المرسل والمعنى : لا تخفه ولا تحذره فإنه لا يضرك .
وأكد قوله ( لا تطعه ) بجملة ( واسجد ) اهتماما بالصلاة .
وعطف عليه ( واقترب ) للتنويه بما في الصلاة من مرضاة الله تعالى بحيث جعل المصلي مقتربا من الله تعالى .
والاقتراب : افتعال من القرب عبر بصيغة الافتعال لما فيها من معنى التكلف والتطلب أي اجتهد في القرب إلى الله بالصلاة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة القدر .
سميت هذه السورة في المصاحف التفسير وكتب السنة ( سورة القدر ) وسماها ابن عطية في تفسيره وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن ( سورة ليلة القدر ) .
وهي مكية في قول الجمهور وهو قول جابر بن زيد ويروى عن ابن عباس . وعن ابن عباس أيضا والضحاك أنها مدنية ونسبه القرطبي إلى الأكثر . وقال الواقدي : هي أول سورة نزلت بالمدينة ويرجحه أن المتبادر أنها تتضمن الترغيب في إحياء ليلة القدر وإنما كان ذلك بعد فرض رمضان بعد الهجرة .
وقد عدها جابر بن زيد الخامسة والعشرين في ترتيب نزول السور نزلت بعد سورة عبس وقبل سورة الشمس فأما قولب من قالوا إنها مدنية فيقتضي أن تكون نزلت بعد المطففين وقبل البقرة .
وآياتها خمس في العدد المدني والبصري والكوفي وست في العد المكي والشامي .
أغراضها .
التنويه بفضل القرآن وعظمته بإسناد إنزاله إلى الله تعالى... .
والرد على الذين جحدوا أن يكون القرآن منزلا من الله تعالى .
ورفع شأن الوقت الذي أنزل فيه ونزول الملائكة في ليلة إنزاله .
وتفضيل الليلة التي توافق ليلة إنزاله من كل عام .
ويستتبع ذلك تحرير المسلمين على تحين ليلة القدر بالقيام والتصدق .
( إنا أنزلناه في ليلة القدر [ 1 ] ) اشتملت هذه الآية على تنويه عظيم بالقرآن فافتتحت بحرف ( إن ) وبالإخبار عنها بالجملة الفعلية وكلاهما من طرق التأكيد والتقوي .
ويفيد هذا التقديم قصرا وهو قصر قلب للرد على المشركين الذي نفوا أن يكون القرآن منزلا من الله تعالى .
وفي ضمير العظمة وإسناد الإنزال إليه تشريف عظيم للقرآن .
وفي الإتيان بضمير القرآن دون الاسم الظاهر إيماء إلى أنه حاضر في أذهان المسلمين لشدة إقبالهم عليه فكون الضمير دون سبق معاد إيماء إلى شهرته بينهم فيجوز أن يراد به القرآن كله فيكون فعل ( أنزلنا ) مستعملا في ابتداء الإنزال لأن الذي أنول في تلك الليلة خمس الآيات الأول من سورة العلق ثم فتر الوحي ثم عاد إنزاله منجما ولم يكمل إنزال القرآن إلا بعد نيف وعشرين سنة ولكن لما كان جميع القرآن مقررا في علم الله تعالى مقداره وأنه ينزل على النبي A منجما حتى يتم كان إنزاله بإنزال الآيات الأول منه لأن ما ألحق بالشيء يعد بمنزلة أوله فقد قال النبي A " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه " الحديث فاتفق العلماء على أن الصرة فيما ألحق بالمسجد النبوي لها ذلك الفضل وأن الطواف في زيادات المسجد الحرام يصح كلما اتسع المسجد .
ومن تسديد ترتيب المصحف أن وضعت سورة القدر عقب سورة العلق مع أنها أقل عدد آيات من سورة البينة وسور بعدها كأنه إماء إلى أن الضمير في ( أنزلناه ) يعود إلى القرآن الذي ابتدئ نزوله بسورة العلق .
ويجوز أن يكون الضمير عائدا على المقدار الذي أنزل في تلك الليلة وهو الآيات الخمس من سورة العلق فإن كل جزء من القرآن يسمى قرآنا وعلى كلا الوجهين فالتعبير بالمضي في فعل ( أنزلناه ) لا مجاز فيه . وقيل أطلق ضمير القرآن على بعضه مجازا بعلاقة البعضية .
A E والآية صريحة في أن الآيات الأول من القرآن نزلت ليلا وهو الذي يقتضيه حديث بدء الوحي في الصحيحين لقول عائشه فيه ( فكان يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد ) فكان تعبده ليلا ويظهر أن يكون الملك قد نزل عليه أثر فراغه من تعبده وأما قول عائشه ( فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ) فمعناه أنه خرج من غار حراء إثر الفجر بعد انقضاء تلقينه الآيات الخمس إذ يكون نزولها عليه في آخر تلك الليلة وذلك أفضل أوقات الليل كما قال تعالى ( والمستغفرين بالأسحار )