وأشعر قوله ( ما لم يعلم ) أن العلم مسبوق بالجهل فكل علم يحصل فهو علم ما لم يكن يعلم من قبل أي فلا يؤيسنك من أن تصير عالما بالقرآن والشريعة أنك لا تعرف قراءة ما يكتب بالقلم . وفي الآية إشارة إلى الاهتمام بعلم الكتابة وبأن الله يريد أن يكتب للنبي A ما ينزل عليه من القرآن فمن أجل ذلك أتخذ النبي A كتابا للوحي من مبدإ بعثه .
وفي الاقتصار على أمر الرسول A بالقراءة ثم إخباره بأن الله علم الإنسان بالقلم إيماء إلى استمرار صفة الأمية للنبي A لأنها وصف مكمل لإعجاز القرآن قال تعالى ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون ) .
وهذه أخر الخمس الآيات التي هي أول ما أنزل على النبي A في غار حراء .
( كلا إن الإنسان ليطغى [ 6 ] أن رآه استغنى [ 7 ] إن إلى ربك الرجعى [ 8 ] أرأيت الذي ينهى [ 9 ] عبدا إذا صلى [ 10 ] ) استئناف ابتدائي لظهور أنه في غرض لا اتصال له بالكلام الذي قبله .
وحرف ( كلا ) ردع وإبطال وليس في الجملة التي قبلها ما يحتمل الإبطال والردع فوجود ( كلا ) في أول الجملة دليل على أن المقصود بالردع هو ما تضمنه قوله ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) الآية .
وحق ( كلا ) أن تقع بعد كلام لإبطاله والزجر عن مضمونه فوقوعها هنا في أول الكلام يقتضي أن معنى الكلام الآتي بعدها حقيق بالإبطال وبردع قائله فابتدئ الكلام بحرف الردع للإبطال ومن هذا القبيل أن يفتتح الكلام بحرف نفي ليس بعده ما يصلح لأن يلي الحرف كما في قول امرئ القيس : .
فلا وأبيك ابنة العامر ... ي لا يدعي القوم أني أفر روى مسلم عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : " قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه " أي يسجد في الصلاة " بين أظهركم ؟ فقيل : نعم فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته فأتى رسول الله وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيده . فقيل له : ما لك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة فقال رسول الله A : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال : فأنزل الله لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه ( أن الإنسان ليطغى ) الآيات اه .
وقال الطبري : ذكر أن آية ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام وذلك أنه قال فيما بلغنا : لأن رأيت محمدا يصلي لأطأن رقبته . فجعل الطبري ما أنزل في أبي جهل مبدوءا بقوله ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) .
ووجه الجمع بين الروايتين : أن النازل في أبي جهل بعضه مقصود وهو ما أوله ( أرأيت الذي ينهى ) الخ وبعضه تمهيد وتوطئة وهو ( إن الإنسان ليطغى ) إلى ( الرجعى ) .
A E واختلفوا في أن هذه الآيات إلى أخر السورة نزلت عقب الخمس الآيات الماضية وجعلوا مما يناكده ذكر الصلاة فيها . وفيما روي في سبب نزولها من قول أبي جهل بناء على أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء وكان الإسراء بعد البعثة بسنين فقال بعضهم : إنها نزلت بعد الآيات الخمس الأولى من هذه السورة ونزل بينهن قرآن أخر ثم نزلت هذه الآيات فأمر رسول الله A بإلحاقها وقال بعض أخر : ليست هذه السورة أول ما أنزل من القرآن