وكان في حرج من كونه بينهم ولا يستطيع صرفهم عما هم فيه ولم يكن يترقب طريقها لأن يهديهم أو لم يصل إلى معرفة كنه الحق الذي يجب أن يكون قومه عليه ولم يطمع إلا في خويصة نفسه يود أن يجد لنفسه قبس نور يضيء له سبيل الحق مما كان باعثا له على التفكر والخلوة والالتجاء إلى الله فكان يتحنث في غار حراء فلما انتشله الله من تلك الوحلة بما أكرمه به من الوحي كان ذلك شرحا مما كان يضيق به صدره يومئذ فانجلى له النور وأمر بإنقاذ قومه وقد يظنهم طلاب حق وأزكياء نفوس فلما قابلوا إرشاده بالإعراض وملاطفته لهم بالامتعاض حدث في صدره ضيق آخر أشار إلى مثله قوله تعالى ( لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين ) وذلك الذي لم يزل ينزل عليه في شأنه ربط جأشه بنحو قوله تعالى ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) فكلما نزل عليه وحي من هذا أكسبه شرحا لصدره وكان لحماية أبي طالب إياه وصده قريشا عن أذاه منفس عليه وأقوى مؤيد له لدعوته ينشرح له صدره . وكلما آمن أحد من الناس تزحزح بعض الضيق عن صدره وكانت شدة قريش على المؤمنين يضيق لها صدره فكلما خلص بعض المؤمنين من أذى قريش بنحو عتق الصديق بلالا وغيره وبما بشره الله من عاقبة النصر له وللمؤمنين تصريحا وتعريضا نحو قوله في السورة قبلها ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) فذلك من الشرح المراد هنا . وجماع القول في ذلك أن تجليات هذا الشرح عديدة وأنها سر بين الله تعالى وبين رسوله A المخاطب بهذه الآية .
وأما وضع الوزر عمه فحاصل بأمرين : بهدايته إلى الحق التي أزالت حيرته بالتفكر في حال قومه وهو ما أشار إليه قوله تعالى ( ووجدك ضالا فهدى ) وبكفايته مؤنة كلف عيشه التي قد تشغله عما هو فيه من الأنس بالفكرة في صلاح نفسه وهو ما أشار إليه قوله ( ووجدك عائلا فأغنى ) .
ورفع الذكر مجاز في إلهام الناس لأن يذكروه بخير وذلك بإيجاد أسباب تلك السمعة حتى يتحدث بها الناس استعير الرفع لحسن الذكر لأن الرفع جعل الشيء عاليا لا تناله جميع الأيدي ولا تدوسه الأرجل . فقد فطر الله رسوله A على مكارم يعز وجود نوعها ولم يبلغ أحد شأو ما بلغه منها حتى لقب في قومه بالأمين . وقد قيل إن قوله تعالى ( إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ) مراد به النبي A .
ومن عظيم رفع ذكره أن اسمه مقترن باسم الله تعالى في كلمة إلإسلام وهي كلمة الشهادة .
وروي هذا التفسير عن النبي A في حديث أبي سعيد الخدري عن ابن حبان وأبي يعلى قال السيوطي : وإسناده حسن وأخرجه عياض في الشفاء بدون سند . والقول في ذكر كلمة ( لك ) مع ( ورفعنا ) كالقول في ذكر نظيرها مع قوله ( ألم نشرح ) .
وإنما لم يذكر مع ( ووضعنا عنك وزرك ) بأن يقال : ووضعنا لك وزرك للاستغناء بقوله ( عنك ) فإنه في إفادة الإبهام ثم التفصيل مساو لكلمة ( لك ) وهي في إفادة العناية به تساوي كلمة ( لك ) لأن وضع الفعل المعدى إلى الوزر يدل على أن الوضع عنه فكانت زيادة ( عنك ) إطنابا يشير إلى ذلك عناية به نظير قوله ( لك ) الذي قبله فحصل بذكر عنك إيفاء إلى تعدية فعل ( وضعنا ) مع الإيفاء بحق الإبهام ثم البيان .
( فإن مع العسر يسرا [ 5 ] إن مع العسر يسرا [ 6 ] الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري هنا أي إذا علمت هذا وتقرر تعلم أن اليسر مصاحب للعسر وإذ كان اليسر نقيض العسر كانت مصاحبة اليسر للعسر مقتضية نقض تأثير العسر ومبطلة لعمله فهو كناية رمزية عن إدراك العناية الإلهية به فيما سبق وتعريض بالوعد باستمرار ذلك في كل أحواله .
وسياق الكلام وعد للنبي A بأن يسر الله له المصاعب كلما عرضت له فاليسر لا يختلف عن اللحاق بتلك المصاعب وذلك من خصائص كلمة ( مع ) الدالة على المصاحبة .
وكلمة ( مع ) هنا مستعملة في غير حقيقة معناها لأن العسر واليسر نقيضان فمقارنتهما معا مستحيلة فتعين أن المعية مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية . وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى ( سيجعل الله بعد عسر يسرا ) في سورة الطلاق .
A E