والذي في الصحيح عن أبي ذر أنه كان عند المعراج به إلى السماء ولعل بعضها كان رؤيا وبعضها حسا . وليس في شيء من هذه الأخبار على اختلاف مراتبها ما يدل على أنه الشرح المراد في الآية وإذ قد كان ذلك الشق معجزة خارقة للعادة يجوز أن يكون مرادا وهو ما نحاه أبو بكر بن العربي في الأحكام وعليه يكون الصدر قد أطلق على حقيقته وهو الباطن الحاوي للقلب ومن العلماء فسر الصدر بالقلب حكاه عياض في الشفا يشير إلى ما جاء في خبر شق الصدر من إخراج قلبه وإزالة مقر الوسوسة منه وكلا المعنيين للشرح يفيد أنه إيقاع معنى عظيم لنفس النبي A إما مباشرة وإما باعتبار مغزاه كما لا يخفى .
واللام في قوله ( لك ) لام التعليل وهو يفيد تكريما للنبي A بأن الله فعل ذلك لأجله .
A E وفي ذكر الجار والمجرور قبل ذكر المشروح سلوك طريقة الإبهام للتشويق فإنه لما ذكر فعل ( نشرح ) علم السامع أن ثم مشروحا فلما وقع قوله ؟ ( لك ) قوي الإبهام فزاد التشويق لأن ( لك ) يفيد معنى شيئا لأجلك فلما وقع بعده قوله ( صدره ) تعين المشروح المترقب فتمكن في الذهن كمال تمكن وهذا ما أشار إليه في الكشاف وقفي علي صاحب المفتاح في مبحث الإطناب .
والوزر : الحرج ووضعه : حطه عن حامله والكلام تمثيل لحال إزالة الشدائد والكروب بحال من يحط ثقلا عن حامله ليريحه من عناء الثقل .
والمعنى : أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فطر الله عليه نفسه من الزكاء والسمو ولا يجد بدا من مسايرتهم عليه فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسره الله عليه بقوله ( سنقرئك فلا تنسى ) إلى قوله ( ونيسرك لليسرى ) .
و ( أنقض ) جعل الشيء ذانقيض والنقيض صوت صرير المحمل والرحل وصوت عظام المفاصل وفرقعة الأصابع وفعله القاصر من باب نصر ويعدى بالهمزة .
وإسناد ( أنقض ) إلى الوزر مجاز عقلي وتعديته إلى الظهر تبع لتشبيه المشقة بالحمل فالتركيب تمثيل لمتجشم المشاق الشديدة بالحمولة المثقلة بالإجمال تثقيلا شديدا حتى يسمع لعظام ظهرها فرقعة وصرير وهو تمثيل بديع لأنه تشبيه مركب قابل لتفريق التشبيه على أجزائه .
ووصف الوزر بهذا الوصف تكميل للتمثيل بأنه وزر عظيم .
واعلم أن في قوله ( أنقض ظهرك ) اتصال حرفي الضاد والظاء وهما متقاربا المخرج فربما يحصل من النطق بهما شيء من الثقل على اللسان ولكنه لا ينافي الفصاحة إذ لا يبلغ مبلغ ما يسمى بتنافر الكلمات بل مثله مغتفر في كلام الفصحاء . والعرب فصحاء الألسن فإذا اقتضى نظم الكلام ورود مثل هذين الحرفين المتقاربين لم يعبأ البليغ بما يعرض عند اجتماعهما من بعض الثقل ومثل ذلك قوله تعالى ( وسبحه ) في اجتماع الحاء مع الهاء وذلك حيث لا يصح الإدغام . وقد أوصى علماء التجويد بظهار الضاد مع الظاء إذا تلاقيا كما في هذه الآية وقوله ( ويوم يعض الظالم ) ولها نظائر في القرآن .
وهذه الآية هي المشتهرة ولم يزل الأيمة في المساجد يتوخون الحذر من إبدال أحد هذين الحرفين بالآخر للخلاف الواقع بين الفقهاء في بطلان صلاة اللحان ومن لا يحسن القراءة مطلقا أو إذا كان عامدا إذا كان فذا وفي بطلان صلاة من خلفه أيضا إذا كان اللاحن إماما .
ورفع الذكر : جعل ذكره بين الناس بصفات الكمال وذلك بما نزل من القرآن ثناء عليه وكرامة . وبإلهام الناس التحدث بما جبله الله عليه من المحامد منذ نشأته .
وعطف ( ووضعنا ) و ( رفعنا ) بصيغة المضي على فعل ( نشرح ) بصيغة المضارع لأن ( لم ) قلبت زمن الحال إلى المضي فعطف عليه الفعلان بصيغة المضي لأنهما داخلان في حيز التقرير فلما لم يقترن بهما حرف ( لم ) صير بهما إلى ما تقيده ( لم ) من معنى المضي .
والآية تشير إلى أحوال كان النبي A في حرج منها أو من شأنه أن يكون في حرج وأن الله كشف عنه ما به من حرج منها أو هيأ نفسه لعدم النوء بها .
وكان النبي A يعلمها كما أشعر به إجمالها في الاستفهام التقريري المقتضي علم المقرر بما قرر عليه ولعل تفصيلها فيما سبق في سورة الضحى فلعلها كانت من أحوال كراهيته ما عليه أهل الجاهلية من نبذ توحيد الله ومن مساوي الأعمال .
A E