وشتى : جمع شتيت على وزن فعلى مثل قتيل وقتلى مشتق من الشت وهو التفرق الشديد يقال : شت جمعهم إذا تفرقوا وأريد به هنا التنوع والاختلاف في الأحوال كما في قول تأبط شرا : .
قليل التشكي للملم يصيبه ... كثير الهوى شتى النوى والمسالك وهو استعارة أو عن الأعمال المتخالفة لأن التفرق يلزمه الاختلاف .
والخطاب في قوله ( إن سعيكم ) لجميع الناس من مؤمن وكافر .
واعلم أنه قد روي في الصحيحين عن علقمة قال : " دخلت في نفر من أصحاب عبد الله " يعني ابن مسعود " الشام فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا فقال : أيكم يقرأ على قراءة عبد الله ؟ فقلت : أنا . قال : كيف سمعته يقرأ ؟ ( والليل إذا يغشى ) قال سمعته يقرأ ( والليل إذا يغشى والنهار إذ تجلى والذكر والأنثى ) قال : أشهد أني سمعت النبي A يقرأ هكذا " . وسماها في الكشاف : قراءة النبي A أي ثبت أنه قرأ بها وتأويل ذلك : أنه أقرأها أبا الدرداء أيام كان القرآن مرخصا أن يقرأ على بعض اختلاف ثم نسخ ذلك الترخيص بما قرأ به النبي A في آخر حياته وهو الذي اتفق عليه قراء القرآن . وكتب في المصحف في زمن أبي بكر Bه وقد بينت في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير معنى قولهم : قراءة النبي A .
( فأما من أعطى واتقى [ 5 ] وصدق بالحسنى [ 6 ] فسنيسره لليسرى [ 7 ] وأما من بخل واستغنى [ 8 ] وكذب بالحسنى [ 9 ] فسنيسره للعسرى [ 10 ] وما يغني عنه ماله إذا تردى [ 11 ] ) ( فأما ) تفريع وتفصيل للإجمال في قوله ( إن سعيكم لشتى ) فحرف ( أما ) يفيد الشرط والتفصيل وهو يتضمن أداة شرط وفعل شرط لأنه بمعنى : مهما يكن من شيء والتفصيل : التفكيك بين متعدد اشتركت آحاده في حالة وانفرد بعضها عن بعض بحالة هي التي يعتنى بتمييزها . وقد تقدم تحقيقه عند قوله تعالى ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ) في سورة الفجر .
والمحتاج للتفصيل هنا هو السعي المذكور ولكن جعل التفصيل بيان الساعين بقوله ( فأما من أعطى ) لأن المهم هو اختلاف أحوال الساعين ويلازمهم السعي فإيقاعهم في التفصيل بحسب مساعيهم يساوي إيقاع المساعي في التفصيل وهذا تفنن من أفانين الكلام الفصيح يحصل منه معنيان كقول النابغة : .
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ... على وعل في ذي المطارة عاقل أي على مخافة وعل .
ومنه قوله تعالى ( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ) الخ في سورة البقرة .
وقوله تعالى ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ) الآية أي كإيمان من آمن بالله .
وانحسر تفسير ( شتى ) في فريقين : فريق ميسر لليسرى وفريق ميسر للعسرى لأن الحالين هما المهم في مقام الحث على الخير والتحذير من الشر ويندرج فيهما مختلف الأعمال كقوله تعالى ( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) في سورة الزلزلة . ويجوز أن يجعل تفصيل ( شتى ) هم من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى وذلك عدد يصح أن يكون بيانا لشتى .
و ( من ) في قوله ( من أعطى ) الخ وقوله ( من بخل ) الخ يعم كل من يفعل الإعطاء ويتقي ويصدق بالحسنى . وروي أن هذا نزل بسبب أن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأعتقه لينجيه من تعذيب أمية بن خلف ومن المفسرين من يذكر أبا سفيان بن حرب عوض أمية بن خلف وهو وهم .
وقيل : نزلت في قضية أبي الدحداح مع رجل منافق ستأتي . وهذا الأخير متقض أن السورة مدنية وسبب النزول لا يخص العموم .
وحذف مفعول ( أعطى ) لأن فعل الإعطاء إذا أريد به إعطاء المال بدون عوض ينزل منزلة اللازم لاشتهار استعماله في إعطاء المال " ولذلك يسمى المال الموهوب عطاء " والمقصود إعطاء الزكاة .
وكذلك حذف مفعول ( اتقى ) لأنه يعلم أن المقدر اتقى الله .
وهذه الخلال الثلاث من خلال الإيمان فأما من كان من المؤمنين كما في قوله تعالى ( قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) أي لم نك من أهل الإيمان .
وكذلك فعل ( بخل ) لم يذكر متعلقة لأنه أريد به البخل بالمال .
A E