والسين علامة على استقبال مدخولها وهي تفيد تأكيد حصول الفعل وخاصة إذا اقترنت بفعل حاصل في وقت التكلم فإنها تقتضي أنه يستمر ويتجدد وذلك تأكيد لحصوله وإذا قد كان قوله ( سنقرئك فلا تنسى ) إقراء فالسين دالة على أن الإقراء يستمر ويتجدد .
والالتفات بضمير المتكلم المعظم لأن التكلم أنسب بالإقبال على المبشر .
وإسناد الإقراء إلى الله مجاز عقلي لأنه جاعل الكلام المقروء وآمر بإقرانه .
فقوله ( فلا تنسى ) خبر مراد به الوعد والتكفل له بذلك .
والنسيان : عدم خطور المعلوم السابق في حافظة الإنسان برهة أو زمانا طويلا .
والاستثناء في قوله ( إلا ما شاء الله ) مفرغ من فعل ( تنسى ) و ( ما ) موصولة هي المستثنى . والتقدير : إلا الذي شاء الله أن تنساه فحذف مفعول فعل المشيئة جريا على غالب استعماله في كلام العرب . وانظر ما تقدم في قوله ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ) في سورة البقرة .
والمقصود بهذا أن بعض القرآن ينساه النبي A إذا شاء الله أن ينساه . وذلك نوعان : أحدهما وهو أظهرهما أن الله إذا شاء نسخ تلاوة بعض ما أنزل على النبي A أمره بأن يترك قراءته فأمر النبي A المسلمين بأن لا يقرأوه حتى ينساه النبي A والمسلمون . وهذا مثل ما روي عن عمر أنه قال : " كان فيما أنزل الشيخ والشخة إذا زنيا فارجموهما " قال عمر : لقد قرأناها وأنه كان فيما أنزل " لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم " . وهذا ما أشير إليه بقوله تعالى ( أو ننسها ) في قراءة من قرأ ( ننسها ) في سورة البقرة .
النوع الثاني ما يعرض نسيانه للنبي A نسيانا مؤقتا كشأن عوارض الحافظة البشرية ثم يقيض الله له ما يذكره به . ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت " سمع النبي A رجلا يقرأ من الليل بالمسجد فقال : يC فقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن أو كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا وفيه أن رسول الله A أسقط آية في قراءته في الصلاة فسأله أبي بن كعب أنسخت ؟ فقال : نسيتها " .
وليس قوله ( فلا تنسى ) من الخبر المستعمل في النهي عن النسيان لأن النسيان لا يدخل تحت التكليف أما إنه ليست ( لا ) فيه ناهية فظاهر ومن زعمه تعسف لتعليل كتابة الألف في آخره .
وجملة ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) معترضة وهي تعليل لجملة ( فلا تنسى إلا ما شاء الله ) فإن مضمون تلك الجملة ضمان الله لرسوله A حفظ القرآن من النقص العارض .
ومناسبة الجهر وما يخفى أن ما يقرؤه الرسول A من القرآن هو من قبيل الجهر فالله يعلمه وما ينساه فيسقطه من القرآن وهو من قبيل الخفي فيعلم الله أنه اختفى في حافظته حين القراءة فلم يبرز إلى النطق به .
( ونيسرك لليسرى [ 8 ] ) عطف على ( سنقرئك فلا تنسى ) . وجملة ( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) معترضة كما علمت . وهذا العطف من عطف الأعم على الأخص في المآل وإن كان مفهوم الجملة السابقة مغايرا لمفهوم التيسير لأن مفهومها الحفظ والصيانة ومفهوم المعطوفة تيسير الخير له .
والتيسير : جعل العمل يسيرا على عامله .
A E ومفعول فعل التيسير هو الشيء الذي يجعل يسيرا أي غير صعب ويذكر مع المفعول الشيء المجعول الفعل يسيرا لأجله مجرورا باللام كقوله تعالى ( ويسر لي أمري ) .
واليسرى : مئنث الأيسر وصيفة فعلى تدل على قوة الوصف لأنها مؤنث أفعل .
والموصوف محذوف وتأنيث الوصف مشعر بأن الموصوف المحذوف مما يجري في الكلام على اعتبار اسمه مؤنثا بأن يكون مفردا فيه علامة تأنيث أو يكون جمعا إذ المجموع تعامل معاملة المؤنث . فكان الوصف المؤنث مناديا على تقدير موصوف مناسب للتأنيث في لفظه وسياق الكلام الذي قبله يهدي إلى أن يكون الموصوف المقدر معنى الشريعة فإن خطاب الرسول A في القرآن مراعى فيه وصفه العنواني وهو أنه رسول فلا جرم أن يكون أول شؤونه هو ما أرسل به وهو الشريعة