وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الذي لم يكن علم به للذين نزل بينهم وهو إشارة مجملة وقد بينها حديث مسلم عن أم سلمة وعائشة " أن رسول الله A سئل عن احتلام المرأة فقال : تغتسل إذا أبصرت الماء فقيل له : أترى المرأة ذلك فقال وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه " .
( إنه على رجعه لقادر [ 8 ] يوم تبلى السرآئر [ 9 ] فما له من قوة ولا ناصر [ 10 ] ) استئناف بياني ناشيء عن قوله ( فلينظر الإنسان مم خلق ) لأن السامع يتساءل عن المقصد من هذا الأمر بالنظر في أصل الخلقة . وإذ قد كان ذلك النظر نظر استدلال فهذا الاستئناف البياني له يتنزل منزلة نتيجة الدليل فصار المعنى : إن الذي خلق الإنسان من ماء دافق قادر على إعادة خلقه بأسباب أخرى وبذلك يتقرر إمكان إعادة الخلق ويزول ما زعمه المشركون من استحالة تلك الإعادة .
وضمير ( إنه ) عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر لمعاد ولكن بناء الفعل للمجهول في قوله ( خلق من ماء دافق ) يؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه وأسند الرجع إلى ضمير دون سلوك طريقة البناء للمجهول كما في قوله ( خلق ) لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك .
وضمير ( رجعه ) عائد إلى ( الإنسان ) .
والرجع : مصدر رجعه المتعدي . ولا يقال في مصدر رجع القاصر إلا الرجوع .
و ( يوم تبلى السرائر ) متعلق ب ( رجعه ) أي يرجعه يوم القيامة .
والسرائر : جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده .
وبلو السرائر اختبارها وتمييز الصالح منها عن الفاسد وهو كناية عن الحساب عليها والجزاء وبلو الأعمال الظاهرة والأقوال مستفاد بدلالة الفحوى من بلو السرائر .
ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله ( يوم تبلى السرائر ) مشعرا بالمؤاخذة على العقائد الباطلة والأعمال الشنيعة فرع عليه قوله ( فما له من قوة ولا ناصر ) فالضمير عائد إلى ( الإنسان ) . والمقصود المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد أي فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه .
( والسماء ذات الرجع [ 11 ] والأرض ذات الصدع [ 12 ] إنه لقول فصل [ 13 ] وما هو بالهزل [ 14 ] ) بعد أن تبين الدليل على إمكان البعث أعقب بتحقيق أن القرآن حق وأن ما فيه قول فصل إبطالا لما موه عليهم من أن أخباره غير صادقة إذ قد أخبرهم بإحياء الرمم البالية .
فالجملة استئناف ابتدائي لغرض من أغراض السورة .
وافتتح الكلام بالقسم تحقيقا لصدق القرآن في الإخبار بالبعث في غير ذلك مما اشتمل عليه من الهدى . وذلك أعيد القسم ب ( السماء ) كما أقسم بها في أول السورة وذكر من أحوال السماء ما له مناسبة بالمقسم عليه وهو الغيث الذي به صلاح الناس فإن إصلاح القرآن للناس كإصلاح المطر . وفي الحديث " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا " الحديث .
وفي اسم الرجع مناسبة لمعنى البعث في قوله ( إنه على رجعه لقادر ) وفيه محسن الجناس التام وفي مسمى الرجع وهو المطر المعاقب لمطر آخر مناسبة لمعنى الرجع البعث فإن البعث حياة معاقبة بحياة سابقة .
وعطف ( الأرض ) في القسم لأن بذكر الأرض إتمام المناسبة بين المقسم والمقسم عليه كما علمت من المثل الذي في الحديث .
A E والصدع : الشق وهو المصدر بمعنى المفعول أي المصدوع عنه وهو النبات الذي يخرج من شقوق الأرض قال تعالى ( إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا ) .
ولأن في هذين الحالين إيماء إلى دليل آخر من دلائل إحياء الناس للبعث فكان في هذا القسم دليلان .
والضمير الواقع إسما ل ( إن ) عائد إلى القرآن وهو معلوم من المقام .
والفصل مصدر بمعنى التفرقة والمراد أنه يفصل بين الحق والباطل أي يبين الحق ويبطل الباطل والإخبار بالمصدر للمبالغة أي إنه لقول فاصل