روى النسائي " أن النبي A قال : إن هذه الصلاة " أي صلاة العصر " فرضت على من كان قبلكم فضيعوها " إلى قوله " ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد " .
وقيل أريد ب ( الطارق ) نوع الشهب روي عن جابر بن زيد : أن النجم الطارق هو كوكب زحل " لأنه مبرز على الكواكب بقوة شعاعه " . وعنه : أنه الثريا " لأن العرب تطلق عليها النجم علما بالغلبة " وعن ابن عباس : أنه نجوم برج الجدي ولعل ذلك النجم كان معهودا عند العرب واشتهر في ذلك في نجم الثريا .
وقيل : أريد بالطارق نوع الشهب " أي لأن الشهاب ينقض فيلوح كأنه يجري في السماء كما يسير السائر الذي أدركه الليل . فالتعريف في لفظ ( النجم ) للاستغراق وخص عمومه بوقوعه خبرا عن ضمير ( الطارق ) أي أن الشهاب عند انقضاضه يرى سائرا بسرعة ثم يغيب عن النظر فيلوح كأنه استقر فأشبه إسراع السائر ليلا ليبلغ إلى أحياء المعمورة فإذا بلغها وقف سيره .
وجواب القسم هو قوله ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) جعل كناية تلويحية رمزية عن المقصود . وهو إثبات البعث فهو كالدليل على إثباته فإن إقامة الحافظ تستلزم شيئا يحفظه وهو الأعمال خيرها وشرها وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها والجزاء بما تقتضيه جزاء مؤخرا بعد الحياة الدنيا لئلا تذهب أعمال العاملين سدا وذلك يستلزم أن الجزاء مؤخر إلى ما بعد هذه الحياة إذ المشاهد تخلف الجزاء في هذه الحياة بكثرة فلو أهمل الجزاء لكان إهماله منافيا لحكمة الإله الحكيم مبدع هذا الكون كما قال ( أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا ) وهذا الجزاء المؤخر يستلزم إعادة حياة للذوات الصادرة منها الأعمال .
فهذه لوازم أربعة بها كانت الكناية تلويحية رمزية .
وقد حصل مع هذا الاستدلال إفادة أن على الأنفس حفظة فهو إدماج .
والحافظ : هو الذي يحفظ أمرا ولا يهمله ليترتب عليه غرض مقصود .
وقرأ الجمهور ( لما ) بتخفيف الميم وقرأه ابن عامر وحمزة وأبو جعفر وخلف بتشديد الميم .
فعلى قراءة تخفيف الميم تكون ( إن ) مخففة من الثقيلة و ( لما ) مركبة من اللام الفارقة بين ( إن ) النافية و ( إن ) المخففة من الثقيلة ومعها ( ما ) الزائدة بعد اللام للتأكيد وأصل الكلام : إن كل نفس لعليها حافظ .
وعلى قراءة تشديد الميم تكون ( إن ) نافية و ( لما ) حرف بمعنى ( إلا ) فإن ( لما ) ترد بمعنى ( إلا ) في النفي وفي القسم تقول : سألتك لما فعلت كذا أي إلا فعلت على تقدير : ما أسألك إلا فعل كذا فآلت إلى النفي وكل من ( إن ) المخففة و ( إن ) النافية يتلقى بها القسم .
وقد تضمن هذا الجواب زيادة على إفادته تحقيق الجزاء إنذارا للمشركين بأن الله يعلم اعتقادهم وأفعالهم وأنه سيجازيهم على ذلك .
( فلينظر الإنسان مم خلق [ 5 ] خلق من ماء دافق [ 6 ] يخرج من بين الصلب والترائب [ 7 ] ) الفاء لتفريع الأمر بالنظر في الخلقة الأولى على ما أريد من قوله ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) من لوازم معناه وهو إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية الرمزية كما تقدم آنفا فالتقدير : فإن رأيتم البعث محالا فلينظر الإنسان مم خلق ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول .
فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة .
A E والنظر : نظر العقل وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال فالمأمور به نظر المنكر للبعث في أدلة إثباته كما يقتضيه التفريع على ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) .
و ( من ) من قوله ( مم خلق ) ابتدائية متعلقة ب ( خلق ) . والمعنى : فليتفكر الإنسان في جواب : ما شيء خلق منه ؟ فقدم المعلق على عامله تبعا لتقديم ما اتصلت به من ( من ) اسم الاستفهام .
و ( ما ) استفهامية علقت فعل النظر العقلي عن العمل .
والاستفهام مستعمل في الإيقاظ والتنبيه إلى ما يجب علمه كقوله تعالى ( من أي شيء خلقه ) فالاستفهام هنا مجاز مرسل مركب .
وحذف ألف ( ما ) الاستفهامية على طريقة وقوعها مجرورة .
ولكون الاستفهام غير حقيقي أجاب عنه المتكلم بالاستفهام على طريقة قوله ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) .
و ( الإنسان ) مراد به خصوص منكر البعث كما علمت آنفا من مقتضى التفريع في قوله ( فلينظر ) الخ .
ومعنى ( دافق ) خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطفة الرجل