روى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة " أن رسول الله A كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج والطارق " اه . فسماها أبو هريرة : " السماء والطارق " لأن الأظهر أن الواو من قوله " والسماء والطارق " واو العطف ولذلك لم يذكر لفظ الآية الأولى منها بل أخذ لها اسما من لفظ الآية كما قال في ( السماء ذات البروج ) .
وسميت في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف ( سورة الطارق ) لوقوع هذا اللفظ في أولها . وفي تفسير الطبري وأحكام ابن العربي ترجمت ( والسماء والطارق ) .
وهي سبع عشرة آية .
وهي مكية بالاتفاق نزلت قبل سنة عشر من البعثة . أخرج أحمد بن حنبل عن خالد بن أبي جبل العدواني " أنه أبصر رسول الله A في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغي عندهم النصر فسمعته يقول ( والسماء والطارق ) حتى ختمها قال : " فوعيتها في الجاهلية ثم قرأتها في الإسلام " الحديث .
وعددها في ترتيب نزول السور السادسة والثلاثين . نزلت بعد سورة ( لا أقسم بهذا البلد ) وقبل سورة ( اقتربت الساعة ) .
أغراضها .
إثبات إحصاء الأعمال والجزاء على الأعمال .
وإثبات إمكان البعث بنقض ما أحاله المشركون ببيان إمكان إعادة الأجسام .
وأدمج في ذلك التذكير بدقيق صنع الله وحكمته في خلق الإنسان .
والتنويه بشأن القرآن .
وصدق ما ذكر فيه من البعث لأن إخبار القرآن به لما استبعدوه وموهوا على الناس بأن ما فيه غير صدق . وتهديد المشركين الذين ناووا المسلمين .
وتثبيت النبي A ووعده بأن الله منتصر له غير بعيد .
( والسماء والطارق [ 1 ] وما أدراك ما الطارق [ 2 ] النجم الثاقب [ 3 ] إن كل نفس لما عليها حافظ [ 4 ] ) افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه كما تقدم في سوابقها . ووقع القسم بمخلوقين عظيمين فيهما دلالة على عظيم قدرة خالقهما هما : السماء والنجوم أو نجم منها عظيم منها معروف أو ما يبدو انقضاضه من الشهب كما سيأتي .
والطارق : وصف مشتق من الطروق وهو المجيء ليلا لأن عادة العرب أن النازل بالحي ليلا يطرق شيئا من حجر أو وتد إشعار لرب البيت أن نزيلا نزل به لأن نزوله يقضي بأن يضيفوه فأطلق الطروق على النزول ليلا مجازا مرسلا فغلب الطروق على القدوم ليلا .
وأبهم الموصوف بالطارق ابتداء ثم زيد إبهاما مشوبا بتعظيم أمره بقوله ( وما أدراك ما الطارق ) ثم بين بأنه ( النجم الثاقب ) ليحصل من ذلك مزيد تقرر للمراد بالمقسم به وهو أنه من جنس النجوم شبه طلوع النجم ليلا بطروق المسافر الطارق بيتا بجامع كونه ظهورا في الليل .
و ( ما أدراك ) استفهام مستعمل في تعظيم الأمر وقد تقدم عند قوله تعالى ( وما يدريك لعل الساعة قريب ) في سورة الشورى وعند قوله ( وما أدراك ما الحاقة ) وتقدم الفرق بين : ما يدريك وما أدراك .
وقوله ( النجم ) خبر عن ضمير محذوف تقديره : هو أي الطارق النجم الثاقب .
والثقب : خرق شيء ملتئم وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل . شبه النجم بمسار أو نحوه وظهور ضوئه بظهور ما يبدو من المسار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لوح أو ثوب .
A E وأحسب أن استعارة الثقب لبروز شعاع النجم في ظلمة الليل من مبتكرات القرآن ولم يرد في كلام العرب قبل القرآن . وقد سبق قوله تعالى ( فأتبعه شهاب ثاقب ) في سورة الصافات ووقع في تفسير القرطبي : والعرب تقول اثقب نارك أي أضئها وساق بيتا شاهدا على ذلك ولم يعزه إلى قائل .
والتعريف في ( النجم ) يجوز أن يكون تعريف الجنس كقول النابغة : .
" أقول والنجم قد مالت أواخره البيت فيستغرق جميع النجوم استغراقا حقيقيا وكلها ثاقب فكأنه قيل والنجوم إلا أن صيغة الإفراد في قوله ( الثاقب ) ظاهر في إرادة فرد معين من النجوم ويجوز أن يكون التعريف للعهد إشارة إلى نجم معروف يطلق عليه اسم النجم غالبا أي والنجم الذي هو طارق .
ويناسب أن يكون نجما يطلع في أوائل ظلمة الليل وهي الوقت المعهود لطروق الطارقين من السائرين . ولعل الطارق هو النجم الذي يسمى الشاهد وهو نجم يظهر عقب غروب الشمس وبه سميت صلاة المغرب " صلاة الشاهد "