و ( شاهد ومشهود ) مراد بهما النوع . فالشاهد : الرائي أو المخبر بحق الإلزام منكره . والمشهود : المرئي أو المشهود عليه بحق . وحذف متعلق الوصفين لدلالة الكلام عليه فيجوز أن يكون الشاهد حاضر ذلك اليوم الموعود من الملائكة قال تعالى ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) .
ويجوز أن يكون الشاهد الله تعالى ويؤيده قوله ( والله على كل شيء شهيد ) أو الرسل والملائكة .
والمشهود : الناس المحشورون للحساب وهم أصحاب الأعمال المعرضون للحساب لأن العرف في المجامع أن الشاهد فيها : هو السالم من مشقتها وهم النظارة الذين يطلعون على ما يجري في المجمع وإن المشهود : الذي يطلع الناس على ما يجري عليه .
ويجوز أن يكون الشاهد : الشاهدين من الملائكة وهم الحفظة الشاهدون على الأعمال والمشهود : أصحاب الأعمال . وأن يكون الشاهد الرسل المبلغين للأمم حيث يقول الكفار : ما جاءنا من بشير ولا نذير ومحمد A يشهد على جميعهم وهو ما في قوله تعالى ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) .
وعلى مختلف الوجوه فالمناسبة ظاهرة بين ( شاهد ومشهود ) وبين ما في المقسم عليه من قوله ( وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) وقوله ( إذ هم عليها قعود ) أي حضور .
وروى الترمذي من طريق موسى بن عبيدة إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله A : " اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة " . أي فالتقدير : ويوم شاهد ويوم مشهود . قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد وغيره من قبل حفظه اه .
ووصف ( يوم ) بأنه ( شاهد ) مجاز عقلي ومحمل هذا الحديث على أن هذا مما يراد في الآية من وصف ( شاهد ) ووصف ( مشهود ) فهو من حمل الآية على ما يحتمله اللفظ في حقيقة ومجاز كما تقدم في المقدمة التاسعة .
وجواب القسم قيل محذوف لدلالة قوله ( قتل أصحاب الأخدود ) عليه والتقدير أنهم ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود . وقيل تقديره : أن الأمر لحق في الجزاء على الأعمال : أو لتبعثن .
وقيل الجواب مذكور فيما يلي فقال الزجاج هو ( إن بطش ربك لشديد ) " أي والكلام بينهما اعتراض قصد به التوطئة للمقسم عليه وتوكيد الحقيق الذي أفاد القسم بتحقيق ذكر النظير " . وقال الفراء : الجواب ( قتل أصحاب الأخدود ) " أي فيكون قتل خبرا لا دعاء ولا شتما ولا يلزم ذكر " قد " في الجواب مع كون الجواب ما ضيا لآن " قد " تحذف بناء على أن حذفها ليس مشروطا بالضرورة " .
ويتعين على قول الفراء أن يكون الخبر مستعملا في لازم معناه من الإنذار للذين يفتنون المؤمنين بأن يحل بهم ما حل بفاتني أصحاب الأخدود وإلا فإن الخبر عن أصحاب الأخدود لا يحتاج إلى التوكيد بالقسم إذ لا ينكره أحد فهو قصة معلومة للعرب .
وانتساق ضمائر جمع الغائب المرفوعة من قوله ( إذ هم عليها قعود ) إلى قوله ( وما نقموا ) يقتضي أن يكون أصحاب الأخدود واضعيه لتعذيب المؤمنين .
وقيل الجواب هو جملة ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) فيكون الكلام الذي بينهما اعتراضا وتوطئة على نحو ما قررناه في كلام الزجاج .
A E وقوله ( قتل أصحاب الأخدود ) صيغته تشعر بأنه إنشاء شتم لهم شتم خزي وغضب وهؤلاء لم يقتلوا ففعل قتل ليس بخبر بل شتم نحو قوله تعالى ( قتل الخراصون ) . وقولهم قاتله الله وصدوره من الله يفيد معنى اللعن ويدل على الوعيد لأن الغضب واللعن يستلزمان العقاب على الفعل الملعون لأجله .
وقيل هو دعاء على أصحاب الأخدود بالقتل كقوله تعالى ( قتل الإنسان ما أكفره ) والقتل مستعار لأشد العذاب كما يقال : أهلكه الله أي أوقعه في أشد العناء وأيا ما كان فجملة ( قتل أصحاب الأخدود ) هذا على معترضة بين القسم وما بعده .
ومن جعل ( قتل أصحاب الأخدود ) جواب القسم جعل الكلام خبرا وقدره لقد قتل أصحاب الأخدود فيكون المراد من أصحاب الأخدود الذين ألقوا فيه وعذبوا فيه ويكون لفظ أصحاب مستعملا في معنى مجرد المقارنة والملازمة كقوله تعالى ( يا صاحبي السجن ) ولقد علمت آنفا تعين تأويل هذا القول بأن الخبر مستعمل في لازم معناه .
ولفظ ( أصحاب ) يعم الآمرين بجعل الأخدود والمباشرين لحفره وتسعيره والقائمين على إلقاء المؤمنين فيه