والقول في الكتاب ومظروفيته في عليين كالقول في ( إن كتاب الفجار لفي سجين ) .
وعليون : جمع علي وعلي على وزن فعيل من العلو وهو زنة مبالغة في الوصف جاء على صورة جمع المذكر السالم وهو من الأسماء التي ألحقت بجمع المذكر السالم على غير قياس .
وعن الفراء أن ( عليين ) لا واحد له . يريد : أن عليين ليس جمع ( علي ) ولكنه علم على مكان الأبرار في الجنة إذ لم يسمع عن العرب ( علي ) وإنما قالوا : علية للغرفة وعليون علم بالغلبة لمحلة الأبرار .
واشتق هذا الاسم من العلو وهو علو اعتباري أي رفعة في مراتب الشرف والفضل وصيغ على صيغة جمع المذكر لأن أصل تلك الصيغة أن تجمع بها أسماء العقلاء وصفاتهم فأستكمل له صيغة جمع العقلاء الذكور إتماما لشرف المعنى باستعارة العلو وشرف النوع بإعطائه صيغة التذكير .
والقول في ( وما أدراك ما عليون ) كالقول في ( وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ) المتقدم .
و ( يشهده ) يطلعون عليه أي يعلن به عند المقربين وهم الملائكة وهو إعلان تنويه بصاحبه كما يعلن بأسماء النابغين في التعليم وأسماء الأبطال في الكتائب .
( إن الأبرار لفي نعيم [ 22 ] على الأرائك ينظرون [ 23 ] تعرف في وجههم نضرة النعيم [ 24 ] يسقون من رحيق مختوم [ 25 ] ختمه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [ 26 ] ومزاجه من تسنيم [ 27 ] عينا يشرب بها المقربون [ 28 ] ) مضمون هذه الجملة قسيم لمضمون جملة ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) إلى آخرها . ولذلك جاءت على نسيج نظم قسيمتها افتتاحا وتوصيفا وفصلا وهي مبينة لجملة ( إن كتاب الأبرار لفي عليين ) فموقعها موقع البيان أو موقع بدل الاشتمال على كلا الوجهين في موقع التي قبلها على أنه يجوز أن تكون من الكلام الذي يقال لهم ( ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) فيكون قول ذلك لهم تحسيرا وتنديما على تفريطهم في الإيمان .
وأحد الوجهين لا يناكد الوجه الآخر فيما قرر للجملة من الخصوصيات .
وذكر الأبرار بالاسم الظاهر دون ضميرهم . خلافا لما جاء في جملة ( إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون ) تنويها بوصف الأبرار .
وقوله ( على الأرائك ) خبر ثان عن الأبرار أي هم على الأرائك أي متكئون عليها .
والأرائك : جمع أريكة بوزن سفينة والأريكة : اسم لمجموع سرير وودادته وحجلة منصوبة عليهما فلا يقال : أريكة إلا لمجموع هذه الثلاثة وقيل : إنها حبشية وتقدم عند قوله تعالى ( متكئين فيها على الأرائك ) في سورة الإنسان .
A E و ( ينظرون ) في موضع الحال من الأبرار . وحذف مفعول ( ينظرون ) إما لدلالة ما تقدم عليه من قوله في ضدهم ( إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) والتقدير : ينظرون إلى ربهم وإما لقصد التعميم أي ينظرون كل ما يبهج نفوسهم ويسرهم بقرينة مقاعد الوعد والتكريم .
وقرأ الجمهور ( تعرف ) بصيغة الخطاب ( نضرة ) وهو خطاب لغير معين . أي تعرف يا من يراهم . وقرأه أبو جعفر ويعقوب ( تعرف ) بصيغة البناء للمجهول ورفع ( نضرة ) .
ومآل المعنيين واحد إلا أن قراءة الجمهور جرت على الطريقة الخاصة في استعماله . وجرت قراءة أبي جعفر ويعقوب على الطريقة التي لا تختص به .
والخطاب بمثله في مقام وصف الأمور العظيمة طريقة عربية مشهورة وهذه الجملة خبر ثالث عن ( الأبرار ) أو حال ثانية له .
والنضرة : البهجة والحسن وإضافة ( نضرة ) إلى ( النعيم ) من إضافة المسبب إلى السبب أي النضرة والبهجة التي تكون لوجه المسرور الراضي إذ نبدو على وجهه ملامح السرور .
وجملة ( يسقون من رحيق ) خبر رابع عن الأبرار أو حال ثالثة منه . وعبر ب ( يسقون ) دون : يشربون للدلالة على أنهم مخدومون يخدمهم مخلوقات لأجل ذلك في الجنة . وذلك من تمام الترفة ولذة الراحة .
والرحيق : اسم للخمر الصافية الطيبة