وتعدية ( كالوا ) و ( وزنوا ) إلى الضميرين على حذف لام الجر . وأصله : كالوا لهم ووزنوا لهم كما حذفت اللام في قوله تعالى في سورة البقرة ( وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ) أي تسترضعوا لأولادكم وقولهم في المثل " الحريص يصيدك لا الجواد " أي الحريص يصيد لك . وهو حذف كثير مثل قولهم : نصحتك وشكرتك أصلهما نصحت لك وشكرت لك لأن فعل كال وفعل وزن لا يتعديان بأنفسهما إلا إلى الشيء المكيل أو الموزون يقال : كال له طعاما ووزن له فضة ولكثرة دورانه على اللسان خففوه فقالوا : كاله ووزنه طعاما على الحذف والإيصال .
قال الفراء : هو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس يقولون : يكيلنا يعني ويقولون أيضا : كال له ووزن له . وهو يريد أن غير أهل الحجاز وقيس لا يقولون : كال له ووزن له ولا يقولون إلا : كاله ووزنه فيكون فعل كال عندهم مثل باع .
والاقتصار على قوله ( إذا اكتالوا ) دون أن يقول : وإذا اتزنوا كما قال ( وإذا كالوهم أو وزنوهم ) اكتفاء بذكر الوزن في الثاني تجنبا لفعل " اتزنوا " لقلة دورانه في الكلام فكان فيه شيء من الثقل . ولكنته أخرى وهي أن المطففين هم أهل التجر وهم يأخذون السلع من الجالبين في الغالب بالكيل لأن الجالبين يجلبون التمر والحنطة ونحوهما مما يكال ويدفعون لهم الأثمان عينا بما يوزن من ذهب أو فضة مسكوكين أو غير مسكوكين فلذلك اقتصر في ابتياعهم من الجالبين على الاكتيال نظرا إلى الغالب وذكر في بيعهم للمبتاعين الكيل والوزن لأنهم يبيعون الأشياء كيلا ويقبضون الأثمان وزنا . وفي هذا إشارة إلى أن التطفيف من عمل تجارهم .
و ( يستوفون ) جواب ( إذا ) والاستيفاء أخذ الشيء وافيا فالسين والتاء فيه للمبالغة في الفعل مثل : استجاب .
ومعنى ( يخسرون ) يوقعون الذين كالوا لهم أو وزنوا لهم في الخسارة والخسارة النقص من المال في التبايع .
وهذه الآية تحذير للمسلمين من التساهل في التطفيف إذ وجوده فاشيا في المدينة في أول هجرتهم وذم للمشركين من أهل المدينة وأهل مكة .
وحسبهم أن التطفيف يجمع ظلما واختلاسا ولؤما والعرب كانوا يتعيرون بكل واحد من هذه الخلال متفرقة ويتبرؤون منها ثم يأتونها مجتمعة وناهيك بذلك أفنا .
( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون [ 4 ] ليوم عظيم [ 5 ] يوم يقوم الناس لرب العالمين [ 6 ] ) A E استئناف ناشيء عن الوعيد والتقريع لهم بالويل على التطفيف وما وصفوا به من الاعتداء على حقوق المبتاعين .
والهمزة للاستفهام التعجيبي بحيث يسأل السائل عن علمهم بالبعث وهذا يرجع أن الخطاب في قوله ( ويل للمطففين ) موجه إلى المسلمين . ويرجع الإنكار والتعجب من ذلك إلى إنكار ما سيق هذا لأجله وهو فعل التطفيف . فأما المسلمون الخلص فلا شك أنهم انتهوا عن التطفيف بخلاف المنافقين .
والظن : مستعمل في معناه الحقيقي المشهور وهو اعتقاد وقوع شيء اعتقادا راجحا على طريقة قوله تعالى ( إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) .
وفي العدول عن الإضمار إلى اسم الإشارة في قوله ( ألا يظن أولئك ) لقصد تمييزهم وتشهير ذكرهم في مقام الذم ولأن الإشارة إليهم بعد وصفهم ب ( المطففين ) تؤذن بأن الوصف ملحوظ في الإشارة فيؤذن ذلك بتعليل الإنكار .
واللام في قوله ( ليوم عظيم ) لام التوقيت مثل ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) .
وفائدة لام التوقيت إدماج الرد على شبهتهم الحاملة لهم على إنكار البعث باعتقادهم أنه لو كان بعث لبعثت أموات القرون الغابرة فأومأ قوله ( ليوم ) أن للبعث وقتا معينا يقع عنده لا قبله .
ووصف يوم ب ( عظيم ) باعتبار عظمة ما يقع فيه من الأهوال فهو وصف مجازي عقلي .
و ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) بدل من ( يوم عظيم ) بدلا مطابقا وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) في سورة الانفطار على قراءة الجمهور ذلك بالفتح .
ومعنى ( يقوم الناس ) أنهم يكونون قياما فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة .
واللام في ( لرب العالمين ) للأجل أي لأجل ربوبية وتلقي حكمه .
والتعبير عن الله تعالى بوصف ( رب العالمين ) لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات .
واللام في ( العالمين ) للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة