( والأمر يومئذ لله [ 19 ] ) وجملة ( والأمر يومئذ لله ) تذييل والتعريف في ( الأمر ) للاستغراق . والأمر هنا للمعنى : التصرف والأذن وهو واحد الأوامر أي لا يأمر إلا الله ويجوز أن يكون الأمر مرادفا للشيء فتغيير التعبير للتفنن .
والتعريف على كلا الوجهين تعريف الجنس المستعمل لإرادة الاستغراق فيعم كل الأمور وبذلك العموم كانت الجملة تذييلا .
وأفادت لام الاختصاص مع عموم الأمر أنه لا أمر يومئذ إلا لله وحده لا يصدر من غيره فعل وليس في هذا التركيب صيغة حصر ولكنه آيل إلى معنى الحصر على نحو ما تقدم في قوله تعالى ( الحمد لله ) .
وفي هذا الختام رد العجز على الصدر لأن أول السورة ابتدئ بالخبر عن بعض أحوال يوم الجزاء وختمت السورة ببعض أحواله .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة المطففين .
سميت هذه السورة في كتب السنة وفي بعض التفاسير ( سورة ويل للمطففين ) وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه والترمذي في جامعه .
وسميت في كثير من كتب التفسير والمصاحف ( سورة المطففين ) اختصارا .
ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم وسماها ( سورة المطففين ) وفيه نظر .
وقد أختلف في كونها مكية أو مدنية أو بعضها مكي وبعضها مدني . فعن ابن مسعود والضحاك ومقاتل في رواية عنه : أنها مكية وعن ابن عباس في الأصح عنه وعكرمة والحسن السدي ومقاتل في رواية أخرى عنه : أنها مدنية قال : وهي أول سورة نزلت بالمدينة وعن ابن عباس في رواية عنه وقتادة : هي مدنية إلا ثمان آيات من آخرها من قوله ( إن الذين أجرموا ) إلى آخرها .
وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة فهي لذلك مكية لأن العبرة في المدني بما نزل بعد الهجرة على المختار من الأقوال لأهل علم القرآن .
A E قال ابن عطية : احتج جماعة من المفسرين على أنها مكية بذكر الأساطير فيها أي قوله ( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) . والذي نختاره : أنها نزلت قبل الهجرة لأن معظم ما اشتملت عليه التعريض بمنكري البعث .
ومن اللطائف أن تكون نزلت بين مكة والمدينة لأن التطفيف كان فاشيا في البلدين . وقد حصل من اختلافهم أنها : إما آخر ما أنزل بمكة وإما أول ما أنزل بالمدينة والقول بأنها نزلت بين مكة والمدينة قول حسن .
فقد ذكر الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس " قال لما قدم النبي A المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى ( ويل للمطففين ) فأحسنوا الكيل بعد ذلك .
وعن القرظي " كان بالمدينة تجار يطففون الكيل وكانت يباعاتهم كسبت القمار والملامسة والمناملة والمخاصرة فأنزل الله تعالى هذه الآية فخرج رسول الله A إلى السوق وقرأها وكانت عادة فشت فيهم من زمن الشرك فلم يتفطن بعض الذين أسلموا من أهل المدينة لما فيه من أكل مال الناس . فأريد إيقاظهم لذلك فكانت مقدمة لإصلاح أحوال المسلمين في المدينة مع تشنيع أحوال المشركين بمكة ويثرب بأنهم الذين سنوا التطفيف .
وما أنسب هذا المقصد بأن تكون نزلت بين مكة والمدينة لتطهير المدينة من فساد المعاملات التجارية قبل أن يدخل إليها النبي A لئلا يشهد فيها منكرا عاما فإن الكيل والوزن لا يخلو وقت عن التعامل بهما في الأسواق وفي المبادلات .
وهي معدودة السادسة والثمانين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة العنكبوت وقبل سورة البقرة .
وعدد آيها ست وثلاثون .
أغراضها .
اشتملت على التحذير من التطفيف في الكيل والوزن وتفظيعه بأنه تحيل على أكل مال الناس في حال المعاملة أخذا وإعطاء .
وأن ذلك مما سيحاسبون عليه يوم القيامة .
وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوف عند ربهم ليفصل بينهم وليجازيهم على أعمالهم وأن الأعمال محصاة عند الله .
ووعيد الذين يكذبون بيوم الجزاء والذين يكذبون بأن القرآن منزل من عند الله .
وقوبل حالهم بضده من حال الأبرار أهل الإيمان ورفع درجاتهم وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين وذكر صور من نعيمهم .
وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل إذ كان المشركون يسخرون من المؤمنين ويلزمونهم ويستضعفونهم وكيف انقلب الحال في العالم الأبدي