وبذلك يكون إيثار هذا الفعل لإفادته كلا حالين صالحين للقسم به فيهما لأنهما من مظاهر القدرة إذ يعقب الظلام الضياء ثم يعقب الضياء الظلام وهذا إيجاز .
A E وعطف عليه القسم بالصبح حين تنفسه أي انشقاق ضوئه لمناسبة ذكر الليل ولأن تنفس الصبح من مظاهر بديع النظام الذي جعله الله في هذا العالم .
والتنفس : حقيقته خروج النفس من الحيوان أستعير لظهور الضياء مع بقايا الظلام على تشبيه خروج الضياء بخروج النفس على طريقة الاستعارة المصرحة أو لأنه إذا بدا الصباح أقبل معه نسيم فجعل ذلك كالتنفس له على طريقة المكنية بتشبيه الصبح بذي نفس مع تشبيه النسيم بالأنفاس .
وضمير ( إنه ) عائد إلى القرآن ولم يسبق له ذكر ولكنه معلوم من المقام في سياق الإخبار بوقوع البعث فإنه مما أخبرهم به القرآن وكذبوا بالقرآن لأجل ذلك .
والرسول الكريم يجوز أن يراد به جبريل عليه السلام وصف جبريل برسول لأنه مرسل من الله إلى النبي A بالقرآن .
وإضافة ( قول ) إلى ( رسول ) إما لأدنى ملابسة بأن جبريل يبلغ ألفاظ القرآن إلى النبي A فيحكيها كم أمره الله تعالى فهو قائلها أي صادرة منه ألفاظها .
وفي التعبير عن جبريل بوصف ( رسول ) إيماء إلى أن القول الذي يبلغه هو رسالة من الله مأمور بإبلاغها كما هي .
قال ابن عطية : وقال آخرون الرسول هو محمد A في الآية كلها اه . ولم يعين اسم أحد ممن قالوا هذا من المفسرين .
وأستطرد في خلال الثناء على القرآن الثناء على الملك المرسل به تنويها بالقرآن فإجراء أوصاف الثناء على ( رسول ) للتنويه به أيضا وللكناية على أن ما نزل به صدق لأن كمال القائل يدل على صدق القول .
ووصف ( رسول ) بخمسة أوصاف : الأول : ( كريم ) وهو النفيس في نوعه .
والوصفان الثاني والثالث : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) . فالقوة حقيقتها مقدرة الذات على الأعمال العظيمة التي لا يقدر عليها غالبا . ومن أوصافه تعالى ( القوي ) ومنها مقدرة الذات من إنسان أو حيوان على كثير من الأعمال التي لا يقدر عليها أبناء نوعه .
وضدها الضعف قال تعالى ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعف وشيبة ) .
وتطلق القوة مجازا على ثبات النفس على مرادها والإقدام ورباطة الجأش . قال تعالى ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) وقال ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) فوصف جبريل ب ( ذي قوة ) يجوز أن يكون شدة المقدرة كما وصف بذلك في قوله تعالى ( ذو مرة ) ويجوز أن يكون من القوة المجازية وهي الثبات في إيداء ما أرسل به كقوله تعالى ( علمه شديد القوى ) لأن المناسب للتعليم هو قوة النفس وأما إذا كان المراد محمد A فوصفه ب ( ذي قوة عند ذي العرش ) يراد بها المعنى المجازي وهو الكرامة والاستجابة له .
والمكين : فعيل صفة مشبهة من مكن بضم الكاف مكانة إذا علت رتبته عند غيره قال تعالى في قصة يوسف مع الملك ( فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ) .
وتوسيط قوله ( عند ذي العرش ) بين ( ذي قوة ) و ( مكين ) ليتنازعه كلا الوصفين على وجه الإيجاز أي هو ذو قوة عند الله أي جعل الله مقدرة جبريل تخوله أن يقوم بعظيم ما يوكله الله به مما يحتاج إلى قوة القدرة وقوة التدبير وهو ذو مكانة عند الله وزلفى .
ووصف النبي A بذلك على نحو ما تقدم .
والعندية عندية تعظيم وعناية ف ( عند ) للمكان المجازي الذي هو بمعنى الاختصاص والزلفى .
وعدل على اسم الجلالة إلى ( ذي العرش ) بالنسبة إلى جبريل لتمثيل حال جبريل ومكانته عند الله بحالة الأمير الماضي في تنفيذ أمر الملك وهو بمحل الكرامة لديه .
وأما بالنسبة إلى النبي A فللإشارة إلى عظيم شأنه إذ كان ذا قوة عند أعظم موجود شأنا .
الوصف الرابع ( مطاع ) أن يطيعه من معه من الملائكة كما يطيع الجيش قائدهم أو النبي A مطاع : أي مأمور الناس بطاعة ما يأمرهم به