رسا أصله فوق الثرى وسما به ... إلى النجم فرع لا ينال طويل وإثبات الجبال : هو رسوخها بتغلغل صخورها وعروق أشجارها لأنها خلقت ذات صخور سائخة إلى باطن الأرض ولولا ذلك لزعزعتها الرياح وخلقت تتخللها الصخور والأشجار ولولا ذلك لتهيلت أتربتها وزادها في ذلك أنها جعلت أحجامها متناسبة بأن خلقت متسعة القواعد ثم تتصاعد متضائقة .
ومن معنى إرسائها : أنها جعلت منحدرة ليتمكن الناس من الصعود فيها بسهولة كما يتمكن الراكب من ركوب السفينة الراسية ولو كانت في داخل البحر ما تمكن من ركوبها إلا بمشقة .
( متعا لكم ولأنعامكم [ 33 ] ) ( المتاع ) يطلق على ما ينتفع به مدة ففيه معنى التأجيل وتقدم عند قوله ( وأمتعتكم ) في سورة النساء وهو هنا اسم مصدر متع أي إعطاء للانتفاع زمانا وتقدم بيانه عند قوله تعالى ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) في سورة الأعراف .
وانتصب ( متاعا ) على النيابة عن الفعل . والتقدير : متعناكم متاعا .
ولام ( لكم ولأنعامكم ) لام التقوية لأن المصدر فرع في العمل عن الفعل وهو راجع إلى خلق الأرض والجبال وذلك في الأرض ظاهر وأما الجبال فلأنها معتصمهم من عدوهم وفيها مراعي أنعامهم تكون في الجبال مأمونة من الغارة عليها من غرة . وهذا إدماج الامتنان في الاستدلال لإثارة شكرهم حق النعمة بأن يعبدوا المنعم وحده ولا يشركوا بعبادته غيره .
وفي قوله ( والأرض بعد ذلك دحاها ) إلى ( ولأنعامكم ) محسن الجمع ثم التقسيم .
A E ( فإذا جاءت الطامة الكبرى [ 34 ] يوم يتذكر الإنسان ما سعى [ 35 ] وبرزت الجحيم لمن يرى [ 36 ] فأما من طغى [ 37 ] وآثر الحياة الدنيا [ 38 ] فأن الجحيم هي المأوى [ 39 ] وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى [ 40 ] فإن الجنة هي المأوى [ 41 ] ) يجوز أن يكون التفريع على الاستدلال الذي تضمنه قوله ( أأنتم أشد خلقا أم السماء ) الآيات فإن إثبات البعث يقتضي الجزاء إذ هو حكمته . وإذا اقتضى الجزاء كان على العاقل أن يعمل لجزاء الحسنى ويجتنب ما يوقع في الشقاء وأن يهتم بالحياة الدائمة فيؤثرها ولا يكترث بنعيم زائل فيتورط في اتباعه فلذلك فرع على دليل إثبات البعث تذكير بالجزاءين وإرشاد إلى النجدين .
وإذا قد قدم قبل الاستدلال تحذير إجمالي بقوله ( يوم ترجف الراجفة ) الآية كما يذكر المطلوب قبل القياس في الجدل جيء عقب الاستدلال بتفصيل ذلك التحذير مع قرنه بالتبشير لمن تحلى بضده فلذلك عبر عن البعث ابتداء بالراجفة لأنها مبدؤه ثم بالزجرة وأخيرا بالطامة الكبرى لما في هذين الوصفين من معنى يشمل الراجفة وما بعدها من الأهوال إلى أن يستقر كل فريق في مقره .
ومن تمام المناسبة للتذكير بيوم الجزاء وقوع عقب التذكير بخلق الأرض والامتنان بما هيأ منها للإنسان متاعا به للإشارة إلى أن ذلك ينتهي عندما يحين يوم البعث والجزاء .
ويجوز أن يجعل قوله ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) مفرعا على قوله ( فإنما هي زجرة واحدة فذا هم بالساهرة ) فإن الطامة هي الزجرة .
ومناط التفريع هو ما عقبه من التفصيل بقوله ( فأما من طغى ) الخ إذ ل يلتئم تفريع الشيء على نفسه .
و ( إذا ) ظرف للمستقبل فلذلك إذا وقع بعد الفعل الماضي صرف إلى الاستقبال وإنما يؤتى بعد ( إذا ) بفعل المضي لزيادة تحقيق ما يفيده ( إذا ) من تحقق الوقوع .
والمجيء : هنا مجاز في الحصول والوقوع لأن الشيء الموقت المؤجل بأجل يشبه شخصا سائرا إلى غاية فإذا حصل ذلك المؤجل عند أجله فكأنه السائر إلى إذا بلغ المكان المقصود .
والطامة : الحادثة أو الوقعة التي تطم أي تعلو وتغلب بمعنى تفوق أمثالها من نوعها بحيث يقل مثلها في نوعها مأخوذ من طم الماء إذا غمر الأشياء وهذا الوصف يؤذن بالشدة والهول إذ لا يقال مثله إلا في الأمور المهولة ثم بولغ في تشخيص هولها بأن وصفت ب ( الكبرى ) فكان هذا أصرح الكلمات لتصوير ما يقارن الحادثة من الأهوال .
والمراد بالطامة الكبرى : القيامة وقد وصفت بأوصاف عديدة في القرآن مثل الصاخة والقارعة والراجفة ووصفت بالكبرى