وهذا المحمل هو الأظهر لأن العبرة بها أظفر لأن المخاطبين لا يرون السماوات السبع ويرون هذه السيارات ويعهدونها دون غيرها من السيارات التي اكتشفها علماء الفلك من بعد . وهي " ستورن " و " نبتون " و " أورانوس " وهي في علم الله تعالى لا محالة لقوله ( ألا يعلم من خلق ) وأن الله لا يقول إلا حقا وصدقا ويقرب للناس المعاني بقدر أفهامهم رحمة بهم .
فأما الأرض فقد عدت أخيرا في الكواكب السيارة وحذف القمر من الكواكب لتبين أن حركته تابعة لحركة الأرض إلا أن هذا لا دخل له في الاستدلال لأن الاستدلال وقع بما هو معلوم مسلم يومئذ والكل من صنع الله .
ويجوز أن يراد بالسماوات السبع طبقات علوية يعلمها الله تعالى وقد اقتنع الناس منذ القدم بأنها سبع سماوات .
وشداد : جمع شديدة وهي الموصوفة بالشدة والشدة : القوة .
والمعنى : أنها متينة الخلق قوية الأجرام لا يختل أمرها ولا تنقص على مر الأزمان .
( وجعلنا سراجا وهاجا [ 13 ] ) ذكر السماوات يناسبه ذكر أعظم ما يشاهده الناس في فضائها وذلك الشمس ففي ذلك مع العبرة بخلقها عبرة في كونها على تلك الصفة ومنة على الناس باستفادتهم من نورها فوائد جمة .
والسراج : حقيقته المصباح الذي يستضاء به وهو إناء يجعل فيه زيت وفي الزيت خرقة مفتولة تسمى الذبالة تشعل بنار فتضيء ما دام فيها بلل الزيت .
والكلام على التشبيه البليغ والغرض من التشبيه تقريب صفة المشبه إلى الأذهان كما تقدم في سورة نوح .
وزيد ذلك التقريب بوصف السراج بالوهاج أي الشديد السنا .
والوهاج : أصله الشديد الوهج ( بفتح الواو وفتح الهاء ويقال بفتح الواو وسكون الهاء ) وهو الاتقاد يقال : وهجت النار إذا اضطرمت اضطراما شديدا .
ويطلق الوهاج على المتلألئ المضيء وهو المراد هنا لأن وصف وهاج أجري على سراج أي سراجا شديد الإضاءة ولا يقال سراج ملتهب .
قال الراغب : الوهج حصول الضوء والحر من النار . وفي الأساس عد قولهم : سراج وهاج في قسم الحقيقة . وعليه جرى قوله في الكشاف " متلالئا وقادا " . وتوهجت النار إذ تلمظت فتوهجت بضوئها وحرها فإذن يكون التعبير عن الشمس بالسراج في هذه الآية هو موقع التشبيه .
ولذلك أوثر فعل ( جعلنا ) دون : خلقنا لأن كونها سراجا وهاجا حالة من أحوالها وإنما يعلق فعل الخلق بالذوات .
A E فالمعنى : وجعلنا لكم سراجا وهاجا أو وجعلنا في السبع الشداد سراجا وهاجا على نحو قوله تعالى ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) وقوله ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) سواء قدرت ضمير ( فيها ) عائدا إلى ( السماء ) أو إلى ( البروج ) لأن البروج هي بروج السماء .
وقوله ( سراجا ) اسم جنس فقد يراد به الواحد من ذلك الجنس فيحتمل أن يراد الشمس أو القمر .
( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا [ 14 ] لنخرج به حبا ونباتا [ 15 ] وجنات ألفافا [ 16 ] ) استدلالا بحالة أخرى من الأحوال التي أودعها الله تعالى في نظام الموجودات وجعلها منشأ شبيها بحياة بعد شبيه بموت أو اقتراب منه ومنشأ تخلق موجودات من ذرات دقيقة . وتلك حالة إنزال ماء المطر من الأسحبة على الأرض فتنبت الأرض به سنابل حب وشجرا وكلأ وتلك كلها فيها حياة قريبة من حياة الإنسان والحيوان وهي حياة النماء فيكون ذلك دليلا للناس على تصور حالة البعث بعد الموت بدليل من التقريب الدال على إمكانه حتى تضمحل من نفوس المكابرين شبه إحالة البعث .
وهذا الذي أشير إليه هنا قد صرح به في مواضع من القرآن كقوله تعالى ( وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج ) ففي الآية استدلالان بإنزال الماء من السحاب واستدلال بالإنبات وفي هذا أيضا منة على المعرضين على النظر في دلائل صنع الله التي هي دواع لشكر المنعم بها لما فيها من منافع للناس من رزقهم ورزق أنعامهم ومن تنعمهم وجمال مرائيهم فإنهم لو شكروا المنعم بها لكانوا عندما يبلغهم عنه أنه يدعوهم إلى النظر في الأدلة مستعدين للنظر بتوقع أن تكون الدعوة البالغة إليهم صادقة العزو إلى الله فما خفيت عنهم الدلالة