وسميت في عهد الصحابة سورة ( والمرسلات عرفا ) ففي حديث عبد الله بن مسعود في الصحيحين " بينما نحن مع رسول الله A في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة والمرسلات عرفا فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ خرجت علينا حية " الحديث .
وفي الصحيح عن ابن عباس قال " قرأت سورة والمرسلات عرفا فسمعتني أم الفضل " امرأة العباس " فبكت وقالت : بني أذكرتني بقرائتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت رسول الله A يقرأ بها في صلاة المغرب " .
وسميت ( سورة المرسلات ) روى أبو داود عن ابن مسعود " كان النبي A يقرأ النظائر السورتين في ركعة الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة " ثم قال " وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة " فجعل هذه الألفاظ بدلا من قوله السورتين وسماها المرسلات لأن الواو التي في كلامه واو العطف مثل أخواتها في كلامه .
واشتهرت في المصاحف باسم ( المرسلات ) وكذلك في التفاسير وفي صحيح البخاري .
وذكر الخفاجي وسعد الله الشهير بسعدي في حاشيتيهما على البيضاوي أنها تسمى ( سورة العرف ) ولم يسنداه ولم يذكرها صاحب الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم .
وفي الإتقان عن كتاب ابن الضريس عن ابن عباس في عد السور التي نزلت بمكة فذكرها باسم ( المرسلات ) . وفيه عن دلائل النبوة للبيهقي عن عكرمة والحسن في عد السور التي نزلت بمكة فذكرها باسم ( المرسلات ) .
وهي مكية عند جمهور المفسرين من السلف وذلك ظاهر حديث ابن مسعود المذكور آنفا وهو يقتضي أنها من أوائل سور القرآن نزولا لأنها نزلت والنبي A مختف في غار بمنى مع بعض أصحابه .
وعن ابن عباس وقتادة : أن آية ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) مدنية نزلت في المنافقين ومحمل ذلك أنه تأويل ممن رواه عنه نظرا إلى أن الكفار الصرحاء لا يؤمرن بالصلاة وليس في ذلك حجة لكون الآية مدنية فإن الضمير في قوله ( وإذا قيل لهم ) وارد على طريقة الضمائر قبله وكلها عائدة إلى الكفار وهم المشركون . ومعنى ( قيل لهم اركعوا ) : كناية عن أن يقال لهم أسلموا . ونظيره قوله تعالى ( وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ) فهي في المشركين وقوله ( قالوا لم نك من المصلين ) إلى قوله ( وكنا نكذب بيوم الدين ) .
وعن مقاتل نزلت ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) في شأن وفد ثقيف حين أسلموا بعد غزوة هوازن وأتوا المدينة فأمرهم النبي A فقالوا : لا نجبي فإنها مسبة علينا . فقال لهم : لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود .
وهذا أيضا أضعف وإذا صح ذلك فإنما أراد مقاتل أن النبي A قرأ عليهم الآية .
وهي السورة الثالثة والثلاثون في عداد ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد .
وأتفق العادون على عد آيها خمسين .
أغراضها .
اشتملت على الاستدلال على وقوع البعث عقب فناء الدنيا ووصف بعض أشراط ذلك .
والاستدلال على إمكان إعادة الخلق بما سبق من خلق الإنسان وخلق الأرض .
ووعد منكريه بعذاب الآخرة ووصف أهواله .
والتعريض بعذاب لهم في الدنيا كما استؤصلت أمم مكذبة من قبل . ومقابلة ذلك بجزاء الكرامة للمؤمنين .
وإعادة الدعوة إلى الإسلام والتصديق بالقرآن لظهور دلائله .
( والمرسلات عرفا [ 1 ] فالعاصفات عصفا [ 2 ] والناشرات نشرا [ 3 ] فالفارقات فرقا [ 4 ] فالملقيات ذكرا [ 5 ] عذرا أو نذرأ [ 6 ] إنما توعدون لواقع [ 7 ] ) قسم بمخلوقات عظيمة دالة على عظيم علم الله تعالى وقدرته .
والمقصود من هذا القسم تأكيد الخبر وفي تطويل القسم تشويق السامع لتلقي المقسم عليه .
فيجوز أن يكون المراد بموصوفات هذه الصفات نوعا واحدا ويجوز أن يكون نوعين أو أكثر من المخلوقات العظيمة . ومشى صاحب الكشاف على أن المقسم بها كلهم ملائكة .
ولم يختلف أهل التأويل أن ( الملقيات ذكرا ) للملائكة .
وقال الجمهور : العاصفات : الرياح ولم يحك الطبري فيه مخالفا . وقال القرطبي : قيل العاصفات : الملائكة .
و ( الفارقات ) لم يحك الطبري إلا أنهم الملائكة أو الرسل . وحكى القرطبي عن مجاهد : أنها الرياح .
وفيما عدا هذه من الصفات اختلف المتأولون فمنهم من حملوها على أنها الملائكة ومنهم من حمل على أنها الرياح