وتلك الآثار هي ما في نظام العالم والبشر من آثار قدرة الله تعالى وخلقه من تأثير الزمان والمكان وتكوين الخلقة وتركيب الجسم والعقل ومدى قابلية التفهم والفهم وتسلط المجتمع والبيئة والدعاية والتلقين على جميع ذلك مما في ذلك كله من إصابة أو خطأ فإذا استتبت أسباب قبول الهدى من مجموع تلك الآثار وتلاءم بعضها مع بعض أو رجح خيرها على شرها عرفنا مشيئة الله لأن تلك مشيئته من مجموع نظام العالم ولأنه تعالى عالم بأنها تستب لفلان فعلمه بتوفرها مع كونها آثار نظامه في الخلق وهو معنى مشيئته وإذا تعاكست وتنافر بعضها مع بعض ولم يرجح خيرها على شرها بل رجح شرها على خيرها بالنسبة للفرد من الناس تعطل وصول الخير إلى نفسه فلم يشأه عرفنا أن الله لم يشأ له قبول الخير وعرفنا أن الله عالم بما حف بذلك الفرد فذلك معنى أن الله لم يشأ له الخير أو بعبارة أخرى أنه شاء له أن يشاء الشر ولا مخلص للعبد من هذه الربقة إلا إذا توجهت إليه عناية من الله ولطف فكون كائنات إذا دخلت تلك الكائنات فيما هو حاف بالعبد من الأسباب ولأحوال غيرت أحوالها وقلبت آثارهما رأسا على عقب فصار العبد إلى صلاح بعد أن كان مغمورا بالفساد فتتهيأ للعبد حالة جديدة مخالفة لما كان حافا به مثل ما حصل لعمر بن الخطاب من قبول عظيم الهدى وتوغله فيه في حين كان متلبسا بسابغ الضلالة والعناد .
فمثل هذا يكون تكرمة من الله للعبد وعناية به وإنما تحصل هذه العناية بإرادة من الله خاصة : إما لأن حكمته اقتضت ذلك للخروج بالناس من شر إلى خير كما قال رسول الله A " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين " وإما بإجابة دعوة داع استجيب له فقد أسلم عمر بن الخطاب عقب دعوة النبي A المذكورة ودخل في الإسلام عقب قول النبي A له " أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم ) ألا ترى أن الهداية العظمى التي أوتيها محمد A كانت أثرا من دعوة إبراهيم عليه السلام بقوله ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) الآية قال النبي A " أنا دعوة إبراهيم " .
فهذا ما أمكن من بيان هاتين المشيئتين بحسب المستطاع ولعل في ذلك ما يفسر قول الشيخ أبي الحسن الأشعري في معنى الكسب والاستطاعة " إنها سلامة الأسباب والآلات " .
وبهذا بطل مذهب الجبرية لأن الآية أثبتت مشيئة للناس وجعلت مشيئة الله شرطا فيها لأن الاستثناء في قوة الشرط فللإنسان مشيئته لا محالة .
وأما مذهب المعتزلة فغير بعيد من قول الأشعري إلا في العبارة بالخلق أو بالكسب وعبارة الأشعري أرشق وأعلق بالأدب مع الله الخالق وإلا في تحقيق معنى مشيئة الله والفرق بينها وبين الأمر أو عدم الفرق وتفصيله في علم الكلام .
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب ( وما تشاءون ) بتاء الخطاب على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وخلف بياء الغائب عائدا إلى ( من شاء ) .
( يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما [ 31 ] ) يجوز أن تكون الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن جملة ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) إذ يتساءل السامع على أثر مشيئة الله في حال ( من اتخذ إلى ربه سبيلا ) ومن لم يتخذ إليه سبيلا فيجاب بأنه يدخل في رحمته من شاء أن يتخذ إليه سبيلا وأنه أعد لمن لم يتخذ إليه سبيلا عذابا أليما وأولئك هم الظالمون .
ويجوز أن تكون الجملة خبر ( إن ) في قوله ( إن الله ) وتكون جملة ( كان عليما حكيما ) معترضة بين اسم ( إن ) وخبرها أوحالا وهي على التقديرين منبئة بأن إجراء وصفي العليم الحكيم على اسم الجلالة مراد به التنبيه على أن فعله كله من جزاء برحمة أو بعذاب جار على حسب علمه وحكمته .
وانتصب ( الظالمين ) على أنه مفعول لفعل محذوف يدل عليه المذكور على طريقة الاشتغال والتقدير : أوعد الظالمين أو كافأ أو نحو ذلك مما يقدره السامع مناسبا للفعل المذكور بعده .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة المرسلات .
لم ترد لها تسمية صريحة عن النبي A بأن يضاف لفظ سورة إلى جملتها الأولى .
A E