وعطف فعل ( كان علقة ) بحرف " ثم " للدلالة على التراخي الرتبي فإن كونه علقة أعجب من كونه نطفة لأنه صار علقة بعد أن كان ماء فاختلط بما تفرزه رحم الأنثى من البويضات فكان من البويضات فكان من مجموعهما علقة كما تقدم في فائدة التقييد بقوله في سورة النجم ( من نطفة إذا تمنى ) .
ولما كان تكوينه علقة هو مبدأ خلق الجسم عطف عليه قوله ( فخلق ) بالفاء لأن العلقة يعقبها أن تصير مضغة إلى أن يتم خلق الجسد وتنفخ فيه الروح .
وضمير ( خلق ) عائد إلى ( ربك ) . وكذلك عطف ( فسوى ) بالفاء .
والتسوية : جعل الشىء سواء أي معدلا مقوما قال تعالى ( فسواهن سبع سماوات ) وقال ( الذي خلق فسوى ) أي فجعله جسدا من عظم ولحم .
ومفعول ( خلق ) ومفعول ( سوى ) محذوفان لدلالة الكلام عليهما أي فخلقه فسواه .
وعقب ذلك بخلقه ذكرا أو أنثى زوجين ومنهما يكون التناسل أيضا .
وقرأ الجمهور ( تمنى ) بالفوقية على أنه وصف ل ( نطفة ) . وقرأه حفص ويعقوب بالتحتية على أنه وصف ( مني ) .
وجملة ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) واقعة موقع النتيجة من الدليل لأن خلق جسم الإنسان من عدم وهو أمر ثابت بضرورة المشاهدة أحق بالاستبعاد من إعادة الحياة إلى الجسم بعد الموت سواء بقي الجسم غير ناقص أو نقص بعضه أو معظمه فهو إلى بث الحياة فيه وإعادة ما فني من أجزائه أقرب من إيجاد الجسم من عدم .
والاستفهام إنكار للمنفي إنكار تقرير بالإثبات وهذا غالب استعمال الاستفهام التقريري أن تقع على نفي ما يراد إثباته ليكون ذلك كالتوسعة على المقرر إن أراد إنكارا كناية عن ثقة المتكلم بأن المخاطب لا يستطيع الإنكار .
وقد جاء في هذا الختام بمحسن رد العجز على الصدر فإن السورة افتتحت بإنكار أن يحسب المشركون استحالة البعث ويسلسل الكلام في ذلك بأفانين من الإثبات والتهديد والتشريط والاستدلاال إلا أن أفضى إلى استنتاج أن الله قادر على أن يحيي الموتى وهو المطلوب الذي قدم في قوله ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) .
وتعميم الموتى في قوله ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) بعد جريان أسلوب الكلام عل خصوص الإنسان الكافر أو خصوص كافر معين يجعل جملة ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) تذييلا .
بسم الله الرحمن الرحيم .
سورة الإنسان .
سميت في زمن أصحاب رسول الله A ( سورة هل أتى على الإنسان ) .
روى البخاري في باب القراءة في الفجر من صحيحه عن أبي هريرة قال : " كان النبي A يقرأ في الفجر ب ( ألم السجدة ) و ( هل أتى على الإنسان ) .
A E واقتصر صاحب الإتقان على تسمية هذه السورة ( سورة الإنسان ) عند ذكر السور المكية والمدنية ولم يذكرها في عداد السور التي لها أكثر من اسم .
وتسمى ( سورة الدهر ) في كثير من المصاحف .
وقال الخفاجي تسمى ( سورة الأمشاج ) لوقوع لفظ الأمشاج فيها ولم يقع في غيرها من القرآن .
وذكر الطبرسي : أنها تسمى ( سورة الأبرار ) لأن فيها ذكر نعيم الأبرار وذكرهم بهذا اللفظ ولم أره لتغييره .
فهذه خمسة أسماء لهذه السورة .
واختلف فيها فقيل هي مكية وقيل مدنية وقيل بعضها مكي وبعضها مدني فعن أبن عباس وابن أبي طلحة وقتادة ومقاتل : هي مكية وهو قول ابن مسعود لأنه كذلك رتبها في مصحفه فيما رواه أبو داود كما سيأتي قريبا . وعلى هذا اقتصر معظم التفاسير ونسبه الخفاجي إلى الجمهور .
وروى مجاهد عن أبن عباس : أنها مدنية وهو قول جابر بن زيد وحكي عن قتادة أيضا . وقال الحسن وعكرمة والكلبي : هي مدنية إلا قوله ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) إلى آخرها أو قوله ( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم ) الخ . ولم يذكر هؤلاء أن تلك الآيات من أية سورة كانت تعد في مكة إلى أن نزلت سورة الإنسان بالمدينة وهذا غريب . ولم يعينوا أنه في أية سورة كان مقروءا