و ( أيان ) اسم استفهام عن الزمان البعيد لأن أصلها : أن آن كذا ولذلك جاء في بعض لغات العرب مضمون النون وإنما فتحوا النون ونما فتحوا النون في اللغة الفصحى لأنهم جعلوا الكلمة كلها ظرفا فصارت ( أيان ) بمعنى ( متى ) . وتقدم عند قوله تعالى ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) في الأعراف . فالمعنى أنهم يسألون تعيين وقت معروف مضبوط بعد السنين ونحوها أو بما يتعين به عند السائلين من حدث يحل معه هذا اليوم . فهو طلب تعيين أمد لحلول اليوم يقوم فيه الناس .
( فإذا برق البصر [ 7 ] وخسف القمر [ 8 ] وجمع الشمس والقمر [ 9 ] يقول الإنسان يومئذ أين المفر [ 10 ] كلا لا وزر [ 11 ] إلى ربك يومئذ المستقر [ 12 ] ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر [ 13 ] ) A E عدل عن أن يجابوا بتعيين وقت ليوم القيامة إلى أن يهددوا بأهواله لأنهم لم يكونوا جادين في سؤالهم فكان من مقتضى حالهم أن ينذروا بما يقع من الأهوال عند حلول هذا اليوم مع تضمين تحقيق وقوعه فإن كلام القرآن إرشاد وهدى ما يترك فرصة للهدي والإرشاد إلا انتهزها وهذا تهديد في ابتدائه جاء في صورة التعيين لوقت يوم القيامة إيهاما بالجواب عن سؤالهم كأنه حمل لكلامهم على خلاف الاستهزاء على طريقة الأسلوب الحكيم . وفيه تعريض بالتوبيخ على أن فرطوا في التوقي من ذلك اليوم واشتغلوا بالسؤال عن وقته . وقريب منه ما روي أن رجلا من المسلمين سأل رسول الله A : " متى الساعة ؟ فقال له : ماذا أعددت لها " .
فإن هذه الأحوال المذكورة في الآية مما يقع عند حلول الساعة وقيام القيامة فكان ذلك شيئا من تعيين وقته بتعيين أشراطه .
والفاء لتفريع الجواب عن السؤال .
و ( برق ) قرأه الجمهور بكسر الراء ومعناه : دهش وبهت يقال : برق يبرق فهو برق من باب فرح فهو من أحوال الإنسان .
وإنما أسند في الآية إلى البصر على سبيل المجاز العقلي تنزيلا له منزلة مكان البرق لأنه إذا بهت شخص بصره . كما أسند الأعشى البرق إلى الأعين في قوله : .
كذلك فاعل ما حييت إذا شتوا ... وأقدم إذا ما أعين الناس تفرق وقرأه نافع وأبو جعفر بفتح الراء من البريق بمعنى اللمعان أي لمع البصر من شدة شخوصه ومضارعه يبرق بضم الراء . وإسناده إلى البصر حقيقة .
ومآل معنى القرائتين واحد وهو الكناية عن الفزع والرعب كقوله تعالى ( واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) فلا وجه لترجيح الطبري قراءة الجمهور على قراءة نافع وأبي جعفر لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ولا من مقتضى التفسير .
والتعريف في ( البصر ) للجنس المراد به الاستغراق أي أبصار الناس كلهم من الشدة الحاصلة في ذلك الوقت على أنهم متفاوتون في الرعب الحاصل لهم على تفاوتهم فيما يعرضون عليه من طرائق منازلهم .
وخسوف القمر أريد به انطماس نوره انطماسا مستمرا بسبب تزلزله من مداره حول الأرض الدائرة حول الشمس بحيث لا ينعكس عليه نورها ولا يلوح للناس نيرا وهو ما دل عليه قوله ( وجمع الشمس والقمر ) فهذا الخسوف ليس هو خسوفه المعتاد عندما تحول الأرض بين القمر وبين مسامتته الشمس .
ومعنى جمع الشمس والقمر : التصاق القمر بالشمس فتلتهمه الشمس لأن القمر منفصل من الأرض التي هي من الأجرام الدائرة حول الشمس كالكواكب ويكون ذلك بسبب اختلال الجاذبية التي وضع الله عليها النظام الشمسي .
و ( إذا برق البصر ) ظرف متعلق ب ( يقول الإنسان ) وإنما قدم على عامله للاهتمام بالظرف المقصود من سياق مجاوبة قوله ( يسأل أيان يوم القيامة ) .
وطوي التصريح بأن ذلك حلول يوم القيامة اكتفاء بذكر ما يدل عليه وهو قولهم ( أين المفر ) فكأنه قيل : حل يوم القيامة وحضرت أهواله يقول الإنسان يومئذ ثم تأكد بقوله إلى ( ربك يومئذ المستقر ) .
و ( يومئذ ) ظرف متعلق ب ( يقول ) أيضا أي يوم إذ يبرق البصر ويخسف القمر ويجمع الشمس والقمر فتنوين ( إذ ) تنوين عوض عن الجملة المحذوفة التي دلت عليها الجملة التي أضيف إليها ( إذ )