والصلاة فرضت بعد فترة الوحي سواء كانت خمسة أو أقل وسواء كانت واجبة كما هو ظاهر قولهم : فرضت أم كانت مفروضة بمعنى مشروعة وفترة الوحي مختلف في مدتها اختلافا كثيرا فقيل كانت سنتين ونصفا وقيل : أربعين يوما وقيل : خمسة عشر يوما والأصح أنها كانت أربعين يوما . فيظهر أن المدثر نزلت في السنة الأولى من البعثة وأن الصلاة فرضت عقب ذلك كما يشعر به ترتيب ابن إسحاق في سوق حوادث سيرته .
وعد أهل المدينة في عدهم الأخير الذي أرسوا عليه وأهل الشام آيها خمس وخمسين وعدها أهل البصرة والكوفة وأهل المدينة في عدهم الأول الذي رجعوا عنه ستا وخمسين .
أغراضها .
جاء فيها من الأغراض تكريم النبي A والأمر بإبلاغ دعوة الرسالة .
وإعلان وحدانية الله بالإلهية .
والأمر بالتطهر الحسي والمعنوي .
ونبذ الأصنام .
والإكثار من الصدقات .
والأمر بالصبر .
وإنذار المشركين بهول البعث .
وتهديد من تصدى للطعن في القرآن وزعم أنه قول البشر وكفر الطاعن نعمة الله عليه فأقدم على الطعن في آياته مع علمه بأنها حق .
ووصف أهوال جهنم .
والرد على المشركين الذين استخفوا بها وزعموا قلة عدد حفظتها .
وتحدي أهل الكتاب بأنهم جهلوا عدد حفظتها .
وتأييسهم من التخلص من العذاب .
وتمثيل ضلالهم في الدنيا .
ومقابلة حالهم بحال المؤمنين أهل الصلاة والزكاة والتصديق بيوم الجزاء .
( يا أيها المدثر [ 1 ] قم فأنذر [ 2 ] ) نودي النبي A بوصفه حالة خاصة تلبس بها حين نزول السورة وهي أنه لما رأى الملك بين السماء والأرض فرق من رؤيته فرجع إلى خديجة فقال : دثروني دثروني أو قال زملوني أو قال : زملوني فدثروني على اختلاف الروايات والجمع بينها ظاهر فدثرته فنزلت ( يا أيها المدثر ) .
وقد مضى عند قوله تعالى ( يا أيها المزمل ) ما في هذا النداء من التكرمة والتلطف .
والمدثر : اسم فاعل من تدثر إذا لبس الدثار فأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال لتقاربهما في النطق كما وقع في فعل ادعى .
والدثار : بكسر الدال : الثوب الذي يلبس فوق الثوب الذي يلبس مباشرا للجسد الذي يسمى شعارا . وفي الحديث " الأنصار شعار والناس دثار " .
فالوصف ب ( المدثر ) حقيقة وقيل هو مجاز على معنى : المدثر بالنبوة كما يقال ارتدى بالمجد وتأزر به على نحو ما قيل في قوله تعالى ( يا أيها المزمل ) أي يا أيها اللابس خلعة النبوة ودثارها .
وقيام المأمور به ليس مستعملا في حقيقته لأن النبي A لم يكن حين أوحي إليه بهذا نائما ولا مضطجعا ولا هو مأمور بأن ينهض على قدميه وإنما هو مستعمل في الأمر بالمبادرة والإقبال والتهمم بالإنذار مجازا أو كناية .
وشاع هذا الاستعمال في فعل القيام حتى صار معنى الشروع في العمل من معاني مادة القيام مساويا للحقيقة وجاء بهذا المعنى في كثير من كلامهم وعد ابن مالك في التسهيل فعل قام من أفعال الشروع . فاستعمال فعل القيام في معنى الشروع قد يكون كناية عن لازم القيام من العزم والتهمم كما في الآية قال في الكشاف : قم قيام عزم وتصميم .
وقد يراد المعنى الصريح مع المعنى الكنائي نحو قول مرة بن محكان التميمي من شعراء الحماسة : .
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رجال الحي والغربا فإذا اتصلت بفعل القيام الذي هو بهذا المعنى الاستعمال جملة حصل من مجموعهما معنى الشروع في الفعل بجد وأنشدوا قول حسان بن المنذر : .
على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في رماد وقول الشاعر وهو من شواهد النحو ولم يعرف قائله : .
فقام يذود الناس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيل إلى هند وأفادت فاء ( فأنذر ) تعقيب إفادة التحفز والشروع في الأمر بإيقاع الإنذار .
ففعل ( قم ) منزل منزلة اللازم وتفريع ( فأنذر ) عليه يبين المراد من الأمر بالقيام .
والمعنى : يا أيها المدثر من الرعب لرؤية ملك الوحي لا تخف وأقبل على الإنذار .
A E