وفعل ( سيعلمون ) معلق عن العمل بوقوع الاستفهام بعده وهو استعمال كثير في التعليق لأن الاستفهام بما فيه من الإبهام يكون كناية عن الغرابة بحيث يسأل الناس عن تعيين الشيء بعد البحث عنه .
وضعف الناصر وهن لهم من جهة وهن أنصارهم وقلة العدد وهن لهم من جانب أنفسهم وهذا وعيد لهم بخيبة غرورهم بالأمن من غلب المسلمين في الدنيا فإنهم كانوا يقولون : نحن جميع منتصر . وقالوا : نحن أكثر أموالا وأولادا .
( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا [ 25 ] عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا [ 26 ] إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا [ 27 ] ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) كان المشركون يكثرون أن يسألوا رسول الله A متى هذا الوعد وعن الساعة أيان مرساها وتكررت نسبة ذلك إليهم في القرآن فلما قال الله تعالى ( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا ) الآية علم أنهم سيعيدون ما اعتادوا قوله من السؤال عن وقت الوعيد فأمر الله رسوله A أن يعيد عليهم ما سبق من جوابه .
فجملة ( قل إن أدري أقريب ما توعدون ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن القول المأمور بأن يقوله جواب لسؤالهم المقدر .
والأمد : الغاية وأصله في الأمكنة . ومنه قول ابن عمر في حديث الصحيحين " أن رسول الله A سابق بين الخيل التي لم تضمر وجعل أمدها ثنية الوداع " أي غاية المسابقة " . ويستعار الأمد لمدة من الزمان معينة قال تعالى ( فطال عليهم الأمد ) وهو كذلك هنا . ومقابلته ب ( قريب ) يفيد أن المعنى أن يجعل له أمدا بعيدا .
وجملة ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) في موضع العلة لجملة ( إن أدري أقريب ما توعدون ) الآية .
وعالم الغيب : خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم الغيب والضمير المحذوف عائد إلى قوله ( ربي ) . وهذا الحذف من قبيل حذف المسند إليه حذفا اتبع فيه الاستعمال إذا كان الكلام قد اشتمل على ذكر المسند إليه وصفاته كما نبه عليه السكاكي في المفتاح .
والغيب : مصدر غاب إذا استتر وخفي عن الأنظار وتعريفه تعريف الجنس وإضافة صفة ( عالم ) إلى ( الغيب ) تفيد العلم بكل الحقائق المغيبة سواء كانت ماهيات أو أفرادا فيشمل المعنى المصدري للغيب مثل علم الله بذاته وصفاته ويشمل الأمور الغائبة بذاتها مثل الملائكة والجن . ويشمل الذوات المغيبة عن علم الناس مثل الوقائع المستقبلة التي يخبر عنها أو التي لا يخبر عنها فإيثار المصدر هنا لأنه اشتمل لإحاطة علم الله بجميع ذلك .
وتقدم ذلك عند قوله تعالى ( الذين يؤمنون بالغيب ) في سورة البقرة .
وتعريف المسند مع تعريف المسند إليه المقدر يفيد القصر أي هو عالم الغيب لا أنا .
A E وفرع على معنى تخصيص الله تعالى بعلم الغيب جملة ( فلا يظهر على غيبه أحدا ) فالفاء لتفريع حكم على حكم والحكم المفرع إتمام للتعليل وتفصيل لأحوال عدم الاطلاع على غيبه .
ومعنى ( لا يظهر على غيبه أحدا ) : لا يطلع ولا ينبئ به وهو أقوى من يطلع لأن ( يظهر ) جاء من الظهور وهو المشاهدة ولتضمينه معنى : يطلع عدي بحرف ( على ) .
ووقوع الفعل في حيز النفي يفيد العموم وكذلك وقوع مفعوله وهو نكرة في حيزه يفيد العموم .
وحرف ( على ) مستعمل في التمكن من الاطلاع على الغيب وهو كقوله تعالى ( وأظهره الله عليه ) فهو استعلاء مجازي .
واستثني من هذا النفي من ارتضاه ليطلعه على بعض الغيب أي على غيب أراد إظهاره من الوحي فإنه من غيب الله وكذلك ما أراد الله أن يؤيد به رسوله A من إخبار بما سيحدث أو إطلاع على ضمائر بعض الناس .
فقوله ( ارتضى ) مستثنى من عموم ( أحدا ) . والتقدير : إلا أحدا ارتضاه أي اختاره للاطلاع على شيء من الغيب لحكمة أرادها الله تعالى