ونقل عن الآلوسي في طرة تفسيره لهذه الآية هذه الفقرة " قد أخرج الإفرنج في حدود الألف والمائتين والستين أصناما وتماثيل من أرض الموصل كانت منذ نحو من ثلاثة آلاف سنة " . وتكرير ( لا ) النافية في قوله ( ولا سواعا ولا يغوث ) لتأكيد النفي الذي في قوله ( ولا تذرن آلهتكم ) وعدم إعادة ( لا ) مع قوله ( ويعوق ونسرا ) لأن الاستعمال جار على أن لا يزاد في التأكيد على ثلاث مرات .
وقرأ نافع وأبو جعفر ( ودا ) بضم الواو . وقرأها غيرهما بفتح الواو وهو اسم عجمي يتصرف فيه لسان العرب كيف شاؤا .
( وقد أضلوا كثيرا ) عطف على ( وقالوا لا تذرن آلهتكم ) أي أضلوا بقولهم هذا وبغيره من تقاليد الشرك كثيرا من الأمة بحيث ما آمن مع نوح إلا قليل .
( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا [ 24 ] ) يجوز أن تكون هذه الجملة تتمة كلام نوح متصلة بحكاية كلامه السابق فتكون الواو عاطفة جزء جملة مقولة لفعل ( قال ) على جزئها الذي قبلها عطف المفاعيل بعضها على بعض كما تقول قال امرؤ القيس " قفا نبك " . ختم نوح شكواه إلى الله بالدعاء على الضالين المتحدث عنهم بأن يزيدهم الله ضلالا .
ولا يريبك عطف الإنشاء على الخبر لأن منع عطف الإنشاء على الخبر على الإطلاق غير وجيه والقرآن طافح به .
ويجوز أن تكون جملة ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) غير متصلة بحكاية كلامه في قوله ( قال نوح رب إنهم عصوني ) بل هو حكاية كلام آخر له صدر في موقف آخر فتكون الواو عاطفة جملة مقولة قول على جملة مقولة قول آخر أي نائبة عن فعل قال كما تقول : قال امرؤ القيس : قفا نبك و : ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وقد نحا هذا المعنى من يأبون عطف الإنشاء على الخبر .
والمراد ب ( الظالمين ) : قومه الذين عصوه فكان مقتضى الظاهر التعبير عنهم بالضمير عائدا على قومي من قوله ( دعوت قومي ليلا ونهارا ) فعدل عن الإضمار إلى الإظهار على خلاف مقتضى الظاهر لما يؤذن به وصف ( الظالمين ) من استحقاقهم لحرمان من عناية الله بهم لظلمهم أي إشراكهم بالله فالظلم هنا الشرك ( إن الشرك لظلم عظيم ) .
والضلال مستعار لعدم الاهتداء إلى طرائق المكر الذي خشي نوح غائلته في قوله ( ومكروا مكرا كبارا ) أي حل بيننا وبين مكرهم ولا تزدهم إمهالا في طغيانهم علينا إلا أن تضللهم عن وسائله فيكون الاستثناء من تأكيد الشيء بما يشبه ضده أو أراد إبهام طرق النفع عليهم حتى تنكسر شوكتهم وتلين شكيمتهم نظير قول موسى عليه السلام ( ربنا أطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) .
A E وليس المراد بالضلال الضلال عن طريق الحق والتوحيد لظهور أنه ينافي دعوة نوح قومه إلى الاستغفار والإيمان بالبعث فكيف يسأل الله أن يزيدهم منه .
ويجوز أن يكون الضلال أطلق على العذاب المسبب عن الضلال أي في عذاب يوم القيامة وهو عذاب الإهانة والآلام .
ويجوز أن تكون جملة معترضة وهي من كلام الله تعالى لنوح فنكون الواو اعتراضية ويقدر قول محذوف : وقلنا لا تزد الظالمين . والمعنى : ولا تزد في دعائهم فإن ذلك لا يزيدهم إلا ضلالا فالزيادة منه تزيدهم كفرا وعنادا . وبهذا يبقى الضلال مستعملا في معناه المشهور في اصطلاح القرآن فصيغة النهي مستعملة في التأييس من نفع دعوته إياهم . وأعلم الله نوحا أنه مهلكهم بقوله ( أغرقوا فأدخلوا نارا ) الآية وهذا في معنى قوله ( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتأس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ) .
ألا ترى إن ختام كلتا الآيتين متحد المعنى من قوله هنا ( أغرقوا ) وقوله في الآية الأخرى ( إنهم مغرقون ) .
( مما خطيئتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا [ 25 ] ) جملة معترضة بين مقالات نوح عليه السلام وليست من حكاية قول نوح فهي إخبار من الله تعالى لرسوله محمد A بأنه قدر النصر لنوح والعقاب لمن عصوه من قوله قبل أن يسأله نوح استئصالهم فإغراق قوم نوح معلوم للنبي A وإنما قصد إعلامه بسببه