وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) يفيد تقوية الخبر مع إفادة التجدد من الفعل المضارع .
ولما أجريت عليهم هذه الصفات الجليلة أخبر عن جزائهم عليها بأنهم مكرمون في الجنة .
A E وجيء باسم الإشارة للتنبيه على أنهم استحقوا ما بعد اسم الإشارة من أجل ما سبق قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله تعالى ( أولئك على هدى من ربهم ) في سورة البقرة .
والإكرام : التعظيم وحسن اللقاء أي هم من جزائهم بنعيم الجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء قال تعالى ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) وقال ( ورضوان من الله أكبر ) .
وهذا يقتضي أن يكون قوله ( في جنات ) خبرا عن اسم الإشارة وقوله ( مكرمون ) خبرا ثانيا .
( فمال الذين كفروا قبلك مهطعين [ 36 ] عن اليمين وعن الشمال عزين [ 37 ] أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم [ 38 ] كلا ) فرع استفهام إنكاري وتعجيبي من تجمع المشركين إلى النبي A مستهزئين بما يسمعون من وعد المؤمنين بالجنة ووعيد المشركين بعذاب جهنم .
فرع ذلك على ما أفاده في قوله ( أولئك في جنات مكرمون ) .
والمعنى : أن الذين كفروا لا مطمع لهم في دخول الجنة فلماذا يحاولون بتجمعهم حولك بملامح استهزائهم .
وهذا وإن كان خطابا للنبي A فالمقصود به إبلاغه إليهم فيما يتلوا عليهم من القرآن فهو موجه إليهم في المعنى كما يدل عليه تنهيته بحروف الردع فهو لا يناسب أن يكون إعلاما للنبي A لذلك لأنه شيء مقرر في علمه .
ومعنى ( فما للذين كفروا ) أي شيء ثبت للذين كفروا في حال كونهم عندك أو في حال إهطاعهم إليك .
وقد تقدم عند قوله تعالى ( قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا ) في سورة البقرة . وتركيب ( ماله ) لا يخلوا من حال مفردة أو جملة بعد الاستفهام تكون هي مصب الاستفهام . فيجوز أن تكون الحال المتوجه إليها الاستفهام هنا الظرف أي ( قبلك ) فيكون ظرفا مستقرا وصاحب الحال هو ( للذين كفروا ) . ويجوز أن تكون ( مهطعين ) فيكون ( قبلك ) ظرفا لغوا متعلقا ب ( مهطعين ) . وعلى كلا الوجهين هما مثار التعجيب من حالهم فأيهما جعل محل التعجيب أجري الآخر المجرى اللائق به في التركيب . وكتب في المصحف اللام الداخلة على ( الذين ) مفصولة عن مدخولها وهو رسم نادر .
والإهطاع : مد العنق عند السير كما تقدم في قوله تعالى ( مهطعين إلى الداع ) في سورة القمر .
قال الواحدي والبغوي وابن عطية وصاحب الكشاف : كان المشركون يجتمعون حول النبي A ويستمعون كلامه ويكذبونه ويستهزئون بالمؤمنين ويقولون : لئن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلها قبلهم وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم . فأنزل الله هذه الآية .
وقبل : اسم بمعنى ( عند ) .
وتقديم الظرف على ( مهطعين ) للاهتمام به لأن التعجيب من حالهم في حضرة النبي A أقوى لما فيهم من الوقاحة .
وموقع قوله ( عن اليمين وعن الشمال ) مثل موقع ( قلبك ) وموقع ( مهطعين ) . والمقصود : كثرة الجهات أي واردين إليك .
والتعريف في ( اليمين ) و ( الشمال ) تعريف الجنس أو الآلف واللام عوض عن المضاف إليه .
والمقصود في ذكر اليمين والشمال : الإحاطة بالجهات فاكتفي بذكر اليمين والشمال لأنهما الجهتان اللتان يغلب حولهما ومثله قول قطري بن الفجاءة : .
فلقد أراني للرماح دريئة ... من عن يميني مرة وأمامي يريد : من كل جهة .
و ( عزين ) حال من ( الذين كفروا ) . وعزين : جمع عزة بتخفيف الزاي وهي الفرقة من الناس اسم بوزن فعله . وأصله عزوة بوزن كسوة وليست بوزن عدة . وجرى جمع عزة على الإلحاق بجمع المذكر السالم على غير قياس وهو من باب سنة من كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر مثل عضة ( للقطعة )