والمقصود من التذييل هو قوله ( وإذا مسه الخير منوعا ) . وأما قوله ( وإذا مسه الشر جزوعا ) فتمهيد وتتميم لحالتيه .
A E فالمراد بالإنسان : جنس الإنسان لا فرد معين كقوله تعالى ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقوله ( خلق الإنسان من عجل ) ونظائر ذلك كثيرة في القرآن .
وهلوع : فعول مثال مبالغة للاتصاف بالهلع .
والهلع لفظ غامض من غوامض اللغة قد تساءل العلماء عنه قال الكشاف " وعن أحمد بن يحيى " وهو ثعلب " قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره الله ولا يكون تفسير أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس " اه . فسارت كلمة ثعلب مسيرا أقنع كثيرا من اللغويين عن زيادة الضبط لمعنى الهلع . وهي كلمة لا تخلو عن تسامح وقلة تحديد للمعنى لأنه إذا كان قول الله تعالى ( إذا مسه الشر كان جزوعا وإذا مسه الخير كان منوعا ) تفسير لمدلول الجزع تعين أن يكون مدلول الكلمة معنى مركبا من معنيي الجملتين لتكون الجملتان تفسيرا له وظاهر أن المعنيين ليس بينهما تلازم وكثيرا من أيمة اللغة فسر الهلع بالجزع أو بشدة الجزع أو بأفحش الجزع والجزع : أثر من آثار الهلع وليس عينه فإن ذلك لا يستقيم في قول عمرو بن معد يكرب : .
ما إن جزعت ولا هلعت ... ولا يرد بكاي زندا إذ عطف النفي الهلع على نفي الجزع ولو كان الهلع هو الجزع لم يحسن العطف ولو كان أشد الجزع كان عطف نفيه على نفي الجزع حشوا . ولذلك تكلف المرزوقي في شرح الحماسة لمعنى البيت تكلفا لم يغن عنه شيئا قال : فكأنه قال : ما حزنت عليه حزنا هينا قريبا ولا فظيعا شديدا وهذا نفي للحزن رأسا كقولك : ما رأيت صغيرهم ولا كبيرهم اه .
والذي استخلصته من تتبع استعمالات كلمة الهلع أن الهلع قلة إمساك النفس عند اعتراء ما يحزنها أو ما يسرها أو عند توقع ذلك والإشفاق منه . وأما الجزع فمن آثار الهلع وقد فسر بعض أهل اللغة الهلع بالشره وبعضهم بالضجر وبعضهم بالشح وبعضهم بالجوع وبعضهم بالجبن عند اللقاء . وما ذكرناه في ضبطه يجمع هذه المعاني ويريك أنها آثار لصفة الهلع . ومعنى ( خلق هلوعا ) : أن الهلع طبيعة كامنة فيه مع خلقة تظهر عند ابتداء شعوره بالنافع والمضار فهو من طباعه المخلوقة كغيرها من طباعها البشرية إذ ليس في تعلق الحال بعاملها دلالة على قصر العامل عليها ولا في اتصاف صاحب الحال بالحال دلالة على أنه لا صفة له غيرها وقد تكون للشيء الحالة وضدها باختلاف الأزمان والدواعي وبذلك يستقيم تعلق النهي عن حال مع تحقيق تمكن ضدها من المنهي لأن عليه أن يروض نفسه على مقاومة النقائص وإزالتها عنه وإذ ذكر الله الهلع هنا عقب مذمة الجمع والإيعاء فقد أشعر بأن الإنسان يستطيع أن يكف عن هلعه إذا تدبر في العواقب فيكون في قوله ( خلق هلوعا ) كناية بالخلق عن تمكن ذلك الخلق منه وغلبته على نفسه .
المعنى : أن من مقتضى تركيب الإدراك البشري أن يحدث فيه الهلع .
A E